ظاهرة "التغير المناخي" .. وتأثيرها على "الاقتصاد العالمي"

 ملخص

 تستعرض هذه الورقة جهود البحث العلمي التي تبذل حالياً حول تغير المناخ، كما ستتناول كيفية التخفيف من حدة أزمة المناخ والتكيف معها وتطوراتها المشتركة المتجددة؛ فهي تحدد التوجهات التي نحتاج إليها لتغيير الأمور من حولنا. 

كما تناقش أيضاً قمة المناخ الأخيرة التي عقدت بقيادة الولايات المتحدة وما قدمته من مساعدة، وتتضمن الورقة كذلك بعض الابتكارات والمبادرات الحيوية التجديدية، مع نماذج واعدة.


 رفع مستوى الوعي بأزمة المناخ

من المقبول في الوقت الحالي القول على نطاق واسع بين الدوائر العلمية وغيرها من الدوائر البحثية إن قضية التغير المناخي المعقدة التي هي من صنع الإنسان، تهدد مستقبلنا الحضاري بأكمله؛ لأنها تتبع مساراً لتغييرات جذرية وسريعة، وربما نهائية في النظام البيئي العالمي في المستقبل القريب نسبياً، في غضون قرن، حيث يتفق علماء المناخ على العديد من التأثيرات الشديدة؛ وهي:

  • أن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض يزيد من المخاطر على أعداد كبيرة من سكان العالم.
  • أننا يجب أن نحافظ على ارتفاع درجات الحرارة أقل من درجتين مئويتين لتجنب وقوع الكارثة.
  • أن الاحتباس الحراري ناتج عن أسلوب الحياة الصناعي للإنسان.
  • أنه من المحتمل أن يكون تغير المناخ الجامح نهائياً ولا رجعة فيه.

إنني أقبل ما خلص إليه العلم من أن هذا التغيير من صنع الإنسان؛ فأنا أشعر بقلق عميق من أن التغييرات المتوقعة ستزيد من الخطر على قطاعات كبيرة من سكان العالم. 

وقد يكون هذا أمراً نهائياً ولا رجعة فيه ما لم تتخذ البشرية إجراءات صارمة وفورية. ففي المستقبل القريب، سيؤدي الذوبان السريع للأنهار الجليدية القطبية والجليد البحري إلى رفع مستويات سطح البحر بشكل كبير، مما يؤدي إلى إغراق العديد من الدول الجزرية الصغيرة والبلدان المنخفضة والمدن الساحلية الكبيرة. 

كما سيترتب على ذلك هجرة جماعية على نطاق لم نشهده منذ 10 آلاف عام.

قبل ثلاثين عاماً كان هناك انشغال كافٍ خلال قمة ريو للأرض عام 1992 بخصوص التغير المناخي؛ ما دفع إلى الموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والتوقيع عليها.

وقد أقرت الدول الـ 154 الموقعة على هذه الاتفاقية رسمياً بأن التغير المناخي البشري المنشأ أصبح واقعاً ملموساً. 

وتجدر الإشارة إلى أن عدد الدول الموقعة على هذه الاتفاقية حتى عام 2021 بلغ 197 دولة، ومن أصل مجموع هذه الدول الموقعة هناك 36 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي طُلب منها، بموجب بروتوكول كيوتو الموقع عليه عام 1997، العمل على تخفيض انبعاثاتها من غازات الدفيئة إلى مستويات حددت لكل منها في المعاهدة؛ وهذه في معظمها دول متقدمة (ضمن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية)، وينتظر منها بذل مزيد من الجهد للتخفيض من انبعاثاتها.

في عام 2008 أعرب رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، راجندرا ك.باشوري، عن أسفه لعدم وجود اهتمام كافٍ وإجراءات متخذة على الرغم من اتفاقية عام 1992، مشيراً إلى أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHG) قد زادت بنسبة مذهلة تصل إلى 70% بين 1970 و2004. 

وفي وقت لاحق، ذكر تقرير التقييم الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (2014) أن “تأثير الإنسان على النظام المناخي واضح، والانبعاثات البشرية الأخيرة لغازات الاحتباس الحراري هي الأعلى في التاريخ”.

وأفاد تقرير التقييم العالمي للأمم المتحدة بشأن الحد من مخاطر الكوارث (2015) أن الفيضانات والعواصف وغيرها من الظواهر المناخية المتطرفة قد تسببت في قتل 606 آلاف شخص منذ عام 1995، وذكرت منظمة أوكسفام في عام 2020 أن الطقس المتطرف أدى إلى نزوح 20 مليون شخص سنوياً على مدار العقد الماضي، قائلة:

“كانت الكوارث التي يُحفزها المناخ هي المحرك الأول للنزوح الداخلي على مدار العقد الماضي؛ ما أجبر ما يقدر بنحو 20 مليون شخص سنوياً على ترك منازلهم … [80%] منهم يعيشون في آسيا، موطن أكثر من ثلث أفقر سكان العالم”.

وفي نوفمبر 2020 أفادتنا منظمة الأمم المتحدة العالمية للأرصاد الجوية أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري استمرت في تحطيم الأرقام القياسية كل عام، على الرغم من انخفاضها بشكل طفيف في عام 2020 بسبب الإغلاق في فترة تفشي فيروس كورونا. ومنذ عام 1990 كانت هناك زيادة بنسبة 45% في إجمالي التأثير الإشعاعي – تأثير الاحتباس الحراري على المناخ – بسبب غازات الاحتباس الحراري الطويلة الأجل، حيث يمثل ثاني أكسيد الكربون أربعة أخماس هذه الغازات.

ومع ذلك، وبرغم وفرة الأدلة العلمية، فإن سياسات تغير المناخ ليست واضحة؛ فلا تزال بعض الدوائر السياسية والتجارية تنكر حدوث تغير في المناخ، بينما يقبل آخرون فكرة أن المناخ يتغير، لكنهم يزعمون أنه جزء من دورات طبيعية يتعرض لها، وفي مجال النفط والفحم هناك المزيد من القضايا الأكثر شؤماً، حيث كشفت رسالة بريد إلكتروني نُشرت في عام 2015 من خبير المناخ الداخلي لدى شركة النفط العملاقة إكسون موبيل، ليني بيرنشتاين، أن شركة إكسون كانت على علم بتغير المناخ منذ عام 1981 وأنفقت الملايين في تمويل “منكري تغير المناخ” ما يقرب من ثلاثين عاماً.

التخفيف والتكيف

هناك مساران رئيسيان للعمل يجري الاضطلاع بهما فيما يتعلق بمستقبل المناخ: الأول، التخفيف من آثار تغير المناخ، وهو في الأساس قضية عالمية. والثاني، التكيف مع تغير المناخ، وهو إلى حد كبير قضية محلية. 

وسأتناول أولاً بالدراسة بعض المكونات الرئيسية للتخفيف، مع التركيز على النهجين الرئيسيين: وهما الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري واحتجاز الكربون، ثم سألقي نظرة على نوعين من التكيف: التكيف السلبي، والتكيف المشترك النشط، وهو ما يشير إلى تكيف المجتمع التطوري المشترك من خلال التعلم الاجتماعي الذي يتيح التخفيف على نطاق صغير، من أسفل إلى أعلى، من خلال الممارسات الترميمية والتجديدية.

 التخفيف: من الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى احتجاز الكربون

يتطلب التخفيف من آثار تغير المناخ بحث وتصميم وتنفيذ استراتيجيات من شأنها إبطاء ويحبذ أن تعكس الاتجاهات المناخية الحالية غير المستدامة، ولاسيما ظاهرة الاحتباس الحراري. ويمكن تلخيص جدية بحث موضوع التخفيف على نطاق عالمي في البيان الصادر عام 2014 عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وجاء فيه:

“دون بذل مزيد من جهود التخفيف أكثر من تلك المبذولة حالياً، وحتى مع التكيف سيؤدي الاحتباس الحراري بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين إلى مخاطر تتراوح بين عالية إلى عالية جداً، من حدوث تأثيرات شديدة وواسعة النطاق ونهائية على مستوى العالم.

وتُعتبر أقوى استراتيجية للتخفيف هي الحد العالمي من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عبر مختلف القطاعات؛ مثل الطاقة والنقل والبناء والصناعة والزراعة والغابات والنفايات. 

وفي حين أن الكثير من الجهود المبذولة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تركز على الانبعاثات الصناعية والمنزلية، أشار تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن تغيير أنماط استخدام الأراضي في دول العالم النامية “يؤدي إلى تدفق الكربون إلى الغلاف الجوي [مع] إزالة الغابات المدارية كمصدر رئيسي لزيادة انبعاثات الكربون [خاصة] في منطقة الأمازون البرازيلية؛ وهي أكبر مساحة من الغابات الاستوائية في العالم”.

وتشير أحدث أفكار التخفيف إلى أن الحد من غازات الاحتباس الحراري أمر حيوي، ولكنه ليس كافياً لمنع أسوأ السيناريوهات لأزمة المناخ. إننا أيضاً بحاجة إلى التركيز على احتجاز الكربون أو عزله. وبجانب إزالة الغابات نحتاج إلى زراعة مليارات الأشجار. وخير مثال على ذلك هو مشروع الدول الأفريقية “السور الأخضر العظيم”.

وتشتمل الوسائل الأخرى الناشئة حديثاً لاحتجاز الكربون على الزراعة المتجددة والزراعة الترميمية والمتجددة في المحيطات التي تتضمن زراعة عشب البحر والأعشاب البحرية وأشجار المانجروف؛ فهذه الأنواع الزراعية توفر الوسائل لربط استراتيجيات التخفيف العالمية مع استراتيجيات التكيف المشترك المحلية والإقليمية، وسنناقش ذلك فيما يلي في إطار التطوير المشترك المتجدد.

التكيف: من التكيف السلبي إلى التكيف المشترك النشط

على النقيض من التخفيف، الذي يجب اتباعه على نطاق عالمي تعاوني بسبب الطبيعة العالمية لتغير المناخ الذي من صنع الإنسان، فإن التكيف يرتبط أكثر بالآثار المحلية والإقليمية لهذا التحدي العالمي.

وترى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن هناك حدوداً لفاعلية التكيف، خاصة مع زيادة حجم تغير المناخ ومعدلاته

فحتى لو تم تحقيق أفضل السيناريوهات الممكنة للحد من غازات الاحتباس الحراري وتثبيتها، على النحو الموصى به من قبل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، فإن أحداث تغير المناخ المتوقعة لاتزال تتطلب تكيفاً كبيراً.

ويعتقد العديد من علماء المناخ على نطاق واسع اليوم أن التخفيف على المستويات الموجودة حالياً والتكيف السلبي الذي “يتناسب” مع الظروف المحددة مسبقاً ، لن يكونا كافيين لمنع بعض الكوارث البيئية والبشرية الأكثر خطورة في العقود القادمة. إن ما نحتاج إلى القيام به هو التكيف المشترك أو التطوير المشترك؛ بمعنى “جعله مناسباً”، حيث يكون من الممكن وجود تفاعل ثنائي الاتجاه أكثر نشاطاً.

هذا التكيف النشط أو الخلق المشترك يستحضر الفاعلية البشرية؛ فنحن البشر مَن صنع هذه الكارثة. ونحن الوحيدون القادرون على إخراج أنفسنا منها.

لماذا نحتاج إلى تطوير مشترك متجدد في مستقبل المناخ؟

حتى توقيع اتفاق باريس المهم في عام 2016، لم تكن معظم الدول مستعدة للالتزام بأي شيء مثل الأهداف الموصى بها، ولعل أهم جانب من جوانب اتفاق باريس قد تلخص في البيان التالي:

“يتمثل الهدف المركزي لاتفاقية باريس في تعزيز الاستجابة العالمية لخطر تغير المناخ من خلال الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية هذا القرن أقل بكثير من 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية ومتابعة الجهود للحد من زيادة درجة الحرارة إلى مستوى 1.5 درجة مئوية”.

إن الفجوة بين طموح اتفاق باريس للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 وبين الالتزامات الفعلية التي قطعتها الدول حتى الآن تشير إلى مسار الزيادات بدرجات الحرارة في نطاق 3 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهو ما سيكون كارثياً. كما لخصت جيل دوجان، المديرة التنفيذية لصندوق الدفاع البيئي في أوروبا، في تعليقاتها بعد قمة المناخ الأمريكية 2021:

“قد لا تبدو الزيادات في درجات الحرارة بمقدار 3 درجات تقريباً كبيرة، ولكن هذه الزيادات الصغيرة في درجات الحرارة ستكون كارثية حقاً – مما يتسبب في انتشار موجات الجفاف والفيضانات والهجرات الجماعية ونقص المياه وانقراض بعض الأنواع من الكائنات الحية وانتشار الأنواع الغازية”.

وناهيك عما أصاب المحيطات، التي وصلت بالفعل إلى نقطة التحول؛ بسبب التسخين والتحمض وانقراض بعض الأنواع من الكائنات الحية، وابيضاض المرجان حتى موت الشعاب المرجانية، فإننا بحاجة إلى التحول بشكل عاجل من أنظمة الطاقة القديمة التي تستخدم الوقود الأحفوري الباعث لغازات الاحتباس الحراري إلى الطاقات المتجددة وزيادة استراتيجيات احتجاز الكربون بشكل كبير لمنع الآثار الأكثر كارثية للاحتباس الحراري.

إننا بحاجة إلى إلقاء نظرة طويلة المدى على أنظمتنا البيئية والإيكولوجية، والتركيز على انهيار النظام البيئي. 

كما أننا بحاجة إلى إعادة ابتكار وإعادة إنشاء وتجديد جميع أنظمتنا البيئية، بحيث لا تكون مستخلصة أو حتى مستدامة فحسب، بل تكون ترميمية ومتجددة على اليابسة وفي المحيط أيضاً.

قمة المناخ 2021: هل هي نقطة تحول؟

تعد قمة المناخ بقيادة الولايات المتحدة والمنعقدة في إبريل 2021، برئاسة الرئيس جو بايدن، هي الفرصة الأولى لإعادة الولايات المتحدة إلى طاولة المناخ بعد أربع سنوات من الإنكار الأمريكي. وقد حققت هذه القمة، التي جمعت 40 من قادة العالم، بعض الإنجازات المثيرة للإعجاب. ويجب ترجمة هذه المحادثات إلى أفعال، ليس فقط من جانب الولايات المتحدة ولكن من جميع الدول أيضاً.

الأهم من ذلك أن الرئيس بايدن قد ألزم الولايات المتحدة بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى النصف بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2005. 

كما رفعت كندا واليابان والمملكة المتحدة أهدافها، حيث وعدت المملكة المتحدة بتخفيض بنسبة 78% عن مستويات عام 1990 بحلول عام 2035، في حين تهدف اليابان إلى خفض الانبعاثات بنسبة 46% بحلول عام 2030، واقترحت كندا خفضاً بنسبة 40-45% عن مستويات عام 2005 بحلول عام 2030. 

وتعهد الاتحاد الأوروبي بخفض الانبعاثات بنسبة 55% عن مستويات عام 1990 بحلول عام 2030. 

وتعهدت كل هذه الدول بالوصول إلى مستوى “صفر انبعاثات” بحلول عام 2050. وتُعد هذه تحركات مهمة إذا ما طُبِّقت على أرض الواقع، لكن القمة شهدت أيضاً بعض خيبات الأمل.

ومع ذلك، فمع ابتعاد بعض أكبر عملاء الفحم الأسترالي في آسيا، مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية عن تداول الفحم، لن تجد أستراليا مكاناً تذهب إليه إذا لم تخفض إنتاجها من الفحم قريباً بما يتماشى مع الدول الأخرى. وعلاوة على ذلك، قدمت الصين، أكبر مصدر لانبعاث الكربون في العالم، والهند، ثالث أكبر مصدر لانبعاث الكربون في العالم، وروسيا، رابع أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في العالم، وعوداً غامضة من دون تقديم تعهدات جديدة أو أهدافاً محددة.

ومن الناحية الإيجابية، رغم ذلك، ظهرت العديد من المبادرات الإصلاحية والتجديدية في الفترة التي سبقت القمة؛ وفيما يلي بعض الأمثلة الهامة:

التجديد على الأرض

 يهدد الاحتباس الحراري، وخاصة ارتفاع درجة حرارة الأرض، أنماط الحياة الحضرية والساحلية في الغالب، التي يتمتع بها الكثير منا. كما أن حرائق الغابات الخارجة عن السيطرة تصيب جميع القارات. 

وفيما يتعلق بإنتاج الغذاء، فإن الاحتباس الحراري العالمي له العديد من الآثار الضارة: منها ارتفاع درجة الحرارة الذي يؤدي إلى الإجهاد الحراري، وندرة المياه، وتغير أنماط الطقس، وارتفاع منسوب مياه البحر مما يؤدي إلى تلوث مياه الري. 

ضف على ذلك فقدان الأراضي الزراعية الخصبة الجيدة نتيجة للتحضر السريع. 

لذا، فإن أمننا الغذائي والمائي معرض بالفعل للخطر، حتى بدون الاحتباس الحراري وارتفاع مستوى سطح البحر.

وتعتبر حركة الزراعة المتجددة في أستراليا وأماكن أخرى حول العالم خطوة مهمة للغاية في تأمين الإمدادات الغذائية في المستقبل في البلدان المعرضة للتأثر بالمناخ؛ ولكونها دولة صحراوية استوردت لبعض الوقت 90% من غذائها، كانت الإمارات العربية المتحدة مساهماً مهماً في تحسين أمنها الغذائي بشكل استباقي من خلال الزراعة المائية والزراعة العمودية، كما التزمت بإنتاج غذائي مبتكر، بما في ذلك إدخال تقنيات زراعية جديدة.

ومن الأمثلة الحديثة على شراكة ناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية في أبوظبي تأمين استثمار بقيمة 100 مليون دولار من شركة كويتية لتوسيع دفيئاتها الزراعية المستدامة في جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.

وليس من العجيب أن يدعو المبعوث الأمريكي الخاص للمناخ، جون كيري، الإمارات إلى الشراكة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا ودول أخرى، لدعم الابتكار الزراعي بوصفه جزءاً من الإجراء المتخذ تجاه التغير المناخي.

وقد تم إطلاق مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ في قمة المناخ، وستشتمل هذه المبادرة على استثمارات كبيرة في مجال الابتكار والبحث والتطوير الزراعي لتقليل الانبعاثات في قطاع الزراعة (حالياً بنسبة 24٪ من جميع انبعاثات الاحتباس الحراري) وزيادة الأمن الغذائي والمائي وخلق فرص اقتصادية جديدة، ومنها فرص العمل.

وقد تمكنت دولة الإمارات العربية المتحدة بالفعل من إنشاء “منصة أبحاث الغذاء” المفتوحة المصدر والمخصصة لتعزيز أفضل الممارسات البحثية العلمية حول أنظمة إنتاج الأغذية. وبشكل ملحوظ، لن تفيد مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ الدول ذات الموارد الجيدة وحسب، بل ستشارك أيضاً في أبحاثها وتقنياتها لمساعدة المزارعين في الدول النامية على التعامل مع آثار تغير المناخ.

وتشمل المبادرات الأخرى، التي أعلن عنها وزير الطاقة الأمريكي في قمة المناخ، الآتي:

أولاً، تحالف (الحد من الانبعاثات من خلال تسريع تمويل الغابات) الذي تبلغ قيمته مليار دولار، بناءً على العمل الذي قام به صندوق التنمية الاقتصادية بمشاركة المملكة المتحدة والولايات المتحدة والنرويج إلى جانب تسع شركات رائدة.

ثانياً، ستشترك الولايات المتحدة مع كلٍّ من كندا والنرويج وقطر والمملكة العربية السعودية لإنشاء منتدى منتجي “NET Zero” لتحقيق صافي صفر انبعاثات.

ثالثاً، ستشترك الولايات المتحدة مع الدنمارك من أجل “التخلص من الانبعاثات في مجال الشحن العالمي”.

التجديد في المحيط

امتص المحيط بالفعل حوالي 90% من الحرارة الزائدة الناتجة عن الاحتباس الحراري منذ منتصف القرن الماضي ووصل إلى مرحلة التشبع. وتؤثر زيادة درجات حرارة المحيطات في جميع الكائنات والأنظمة البيئية البحرية. 

ويمتص المحيط المستويات العالية من ثاني أكسيد الكربون المنبعثة؛ ما يؤدي إلى التحمض الذي يترتب عليه ابيضاض المرجان وفقدان مناطق تكاثر الأسماك البحرية والثدييات. ويتسبب تسخين المحيطات في حدوث تمدد حراري وزيادة العواصف والأعاصير وارتفاع مستوى سطح البحر بشكل كبير؛ ما يؤدي إلى إغراق السواحل كما نشهد بالفعل، ويُهدد إمدادات البشر الغذائية من المحيطات.

وقد أعلن وزير الطاقة الأمريكي في قمة المناخ التي عقدت في الولايات المتحدة في إبريل 2021 أنهم سيركزون على تطوير تقنيات جديدة لاحتجاز الكربون وتخزين الطاقة والوقود الصناعي، ومن المفارقات أن مؤسسة “Nature” توفر بعضاً من أفضل تقنيات احتجاز الكربون مجاناً. وبالإضافة إلى الغابات المطيرة، فإن الغابات والمروج البحرية أو المحيطية تعدُّ ذات أهمية كبيرة.

لقد عُثر على أحد أفضل الأمثلة على احتجاز الكربون على الأرض في المحيط فيما يُعرف باسم “الكربون الأزرق”؛ ففي تقرير اليونسكو لعام 2021 الذي يقيم 50 موقعاً للتراث العالمي البحري، لوحظ أن الجميع يعلم أن الغابات تلتقط الكربون وتخزنه. وما هو معروف بدرجة أقل إن غابات المحيطات والأنهار – مروج الأعشاب البحرية وغابات المانجروف والمستنقعات المالحة للمد والجزر، تلتقط الكربون وتخزنه أسرع بمقدار “30 مرة من الغابات”.

وعلى عكس غابات اليابسة، وفقاً لأوسكار سيرانو، خبير الكربون الأزرق الأسترالي والمؤلف الرئيسي لتقرير اليونسكو، فإن غابات المحيط هذه “تعمل على تجهيز الشواطئ ورفع الخط الساحلي وقاع البحر، ومن ثمّ لا تخزن الكربون وحسب، بل تعمل على مقاومة ارتفاع مستوى سطح البحر أيضاً”. 

وتمتلك أستراليا حوالي 40% من احتياطيات الكربون الأزرق المدرجة في قائمة التراث العالمي لليونسكو، حيث تحتجز النظم البيئية الأسترالية للكربون الأزرق 20 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً (ما يعادل مقدار الانبعاثات من 4 ملايين سيارة). ويُشارك مختبر الكربون الأزرق، بجامعة ديكين بأستراليا مع مؤسسة جيمس ميشيل في سيشيل؛ من أجل مساعدة البلاد على أن تبقى مثل “بالوعة الكربون”، ويمكن للدول النامية الجزرية الصغيرة الأخرى أن تحذو حذوها.

ومن الأبطال العظماء الآخرين في احتجاز الكربون الأعشاب البحرية العملاقة أو عشب البحر؛ فهذه الأعشاب فعالة للغاية في امتصاص الكربون. وتنمو هذه الأعشاب بسرعة كبيرة، حيث يصل ارتفاعها خلال يوم واحد إلى متر واحد، ويمكن استخدامها في مجموعة واسعة من المنتجات، من الغذاء إلى الوقود الحيوي وحتى المنتجات الصناعية ومستحضرات التجميل. 

وعلى عكس الغابات اليابسة، فهي لا تخضع لحرائق الغابات.

 ولطالما كانت الأعشاب البحرية جزءاً من الإمدادات الغذائية البشرية، ولكنها خرجت عن هذا النمط في العقود الأخيرة بعد أن أصبحت الوجبات السريعة متاحة بسهولة. 

وقامت مجموعات ناشطة أخرى معنية بمنهجيات احتجاز الكربون، مثل منظمة تنظيف المناخ Climate Clean-up في هولندا وProject Drawdown في الولايات المتحدة، بالبحث والترويج لقيمة عشب البحر العملاق والخضراوات البحرية الأخرى في احتجاز الكربون للمناخ، وكذلك في تكملة الإمدادات الغذائية، مع استمرار أزمة المناخ في التأثير على الزراعة التقليدية والمأكولات البحرية.

 ملاحظات ختامية

آمل من خلال هذه الورقة البحثية أن أكون قد أوضحت كيف أن التخفيف والتكيف وحدهما ليسا كافيين لمنع الآثار الكارثية المتوقعة. 

ومن بين هذه الآثار المتوقعة ذوبان القمم الجليدية القطبية والتوسع الحراري الذي يتسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة العواصف الشديدة وحرائق الغابات ونقص الغذاء نتيجة لفقدان الأراضي الصالحة للزراعة والجفاف، والفيضانات والتلوث وتأثر المحيطات بسبب التسخين والتحمض وابيضاض المرجان وفقدان مناطق تكاثر الأسماك والثدييات البحرية.

وفي ظل الحاجة إلى اتخاذ تدابير تخفيف جذرية على وجه السرعة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى مستوى صافي الصفر بحلول عام 2050، فإن التكيف السلبي وحده سيترك عشرات الملايين ينزحون كل عام، وخاصة في المناطق الفقيرة، كما أوضحت نتائج قمة المناخ أنه يجب على الدول والشركات العمل معاً بلا هوادة لتقليل الانبعاثات إلى مستوى صافي الصفر.

ومع ذلك، يجب علينا أيضاً بناء قدرة على التكيف، والأهم من ذلك أننا بحاجة إلى تسريع حلول احتجاز الكربون؛ مثل الزراعة المتجددة والزراعة المحيطية الترميمية. فإذا استطاعت البشرية جمعاء الاتحاد بهذه الطرق، ودون مزيد من التأخير، من أجل تطوير مستقبلنا بشكل مشترك، فسنبدأ بوتيرة بطيئة لكننا سنبدأ في تجديد الأرض والمحيطات بكل تأكيد.



تعليقات

يجب علينا تقديم خطاب إعلامي مقنع للجمهور، وعلى الجميع تحمل مسؤولياته والتعامل بحرص مع الموضوعات