ما لا تعرفه عن.. "معاهدة السلام" ..اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 - 1979

 معاهدة السلام.. إجراءات التعديل بين الفقه القانوني والقرار السياسي

دراسة وإعداد الباحث في الشؤون السياسية الكاتب الصحفي و الإعلامي/ أحمد سمير 

وقعت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل بعد 16 شهرا من زيارة "السادات" لــ "إسرائيل" في عام 1977 بعد مفاوضات مكثفة، وكانت السمات الرئيسية للمعاهدة الاعتراف المتبادل، ووقف حالة الحرب التي كانت قائمة منذ الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 وتطبيع العلاقات وسحب إسرائيل الكامل لقواتها المسلحة والمدنيين من شبه جزيرة سيناء.

المعاهدات وسيلة هامة من وسائل التشريع الدولي لتحقيق التنظيم القانوني للعلاقات الدولية، ولا تنشئ المعاهدات إلتزامات خارجية تخص علاقات الدول ببعضها فقط، ففي جزء منها يفرض إلتزامات قد تحدد أو تقيد وتفرض قواعد داخل الدولة أو داخل إقليم يرتبط أو يخضع لمعاهدة ناظمة أو مرشدة.

معاهدة أو اتفاقية السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل، إحدى هذه المعاهدات الدولية، تم توقيعها من جانب الرئيس المصري "أنور السادات" و "مناحم بيجين" بحضور ورعاية الرئيس "جيمي كارتر" بالعاصمة الأمريكية في 26 إبريل 1979، المعاهدة أتت لتضع حدا لصراع استمر عقودا، ولحرب دخلتها مصر منفردة أو مع دول عربية، وعدوان إسرائيلي بشكل مستقل أو جماعي، أتت المعاهدة لتخرج مصر من الصراع، وتضع شكلا جديدا من العلاقة (اعتراف، وتطبيع) بين الطرفين تمهيدا لاتفاق أوسع لم يتحقق.

المعاهدة.. الموقع تشريعي

تتنوع المعاهدات الدولية من حيث الشكل أو الموضوع، ما حمل الفقه الدولي على محاولة إجراء تقسيم استنادا لعدة معايير على أساس مضمون المعاهدة وحتواها، أو طبيعة القواعد والالتزمات الواردة بها، الأجراءات التي تمر بها، وعدد الأطراف فيها، (1)، وتقع اتفاقية السلام ضمن المعاهدة الثنائية "مصر وإسرائيل"، راعتها ولعبت دور الوسيط فيها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن حيث الموضوع فإنها معاهدة خاصة عقدية، أتت كمعاهدة للصلح وتأكيد خط الحدود بين طرفيها، ومن حيث معيار إجراء الإبرام، فهي معاهدة دقيقة، تم الالتزام فيها بكافة الإجراءات الشكلية بل والاستفتاء عليها وموافقة البرلمان والتصديق عليها، قبل التبادل والإيداع عهدة الأمين العام للأمم المتحدة.

أما ترتيبها في سلم التشريع الداخلي، فإن مرتبة المعاهدات الدولية لم تتغير على مدى التاريخ الدستورى المصري، فهي تحتفظ بذات القوة والكيفية في الدساتير المتعاقبة ابتداء من دستور 1956 فى المادة (43) منه، ودستور 1958 فى المادة (56)، والمادة (125) من دستور 1964، والمادة (151) من دستور 1971.
وكذا المادة (151) من دستور 2014 المعدل عام 2019 والتي تنص على:
" يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة.

وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة".(2)

بذلك تعتبر قانونًا بعد استيفاء شروط أربعة :-

1. أن تبرم بمعرفة من خوله الدستور هذا الاختصاص أي من رئيس الجمهورية .
2. أن يوافق مجلس النواب عليها .
3. أن يصدق عليها رئيس الجمهورية بعد الموافقة.
4. أن تنشر فى الجريدة الرسمية وفقًا للأوضاع المقررة.

بعد استيفاء هذه الشروط تكون المعاهدة الدولية شأنها شان القانون فى كل شئ. فلا يعلو القانون على المعاهدة، ولا تعلو المعاهدة على القانون .لكنهما يتكافأن فى مرتبيتهما فى مدارج القواعد القانونية، وإذا كان الدستور يسمو على المعاهدة والقانون، فإن عليهما أن يتقيدا بأحكامه، وعلى جهة الرقابة على الدستورية أن تكفل للمعاهدة قوتها بقدر اتفاقها مع أحكام الدستور، فإن هى جاوزتها تعين إبطالها.(3)
الاتفاقية.. أثار على الأرض
لم يكن إيقاف الحرب وتحرير الأرض المبتغى وراء اتفاقية السلام، لكنه صياغة واقع جديد يؤدي لعدم تكرار الحرب، ويستبعد استخدام القوة بين طرفي المعاهدة، وإبعاد ما قد يمثل تهديدا، ما استلزم إجراءات على الأرض، ليس على الحدود فقط، لكن امتدت لتشمل شبه جزيرة سيناء كاملة.

جاء الاتفاق ليضمن أقصى أمان ممكن لإسرائيل بعد الانسحاب النهائي، وأنشأت مادة 9 الفقرة الثانية تنظميما لخطوط ومناطق الحضور المصري كما يلي:
خريطة (1)

منطقة A
• يحدها شرقاً الخط الأحمر وغرباً بقناة السويس والساحل الشرقي لخليج السويس، كما هو مبين في الخريطة رقم 1، في هذه المنطقة ستكون هناك قوة مسلحة مصرية فرقة مشاة واحدة وأجهزتها العسكرية.
• العناصر الرئيسية لذلك التقسيم ستتكون من : ثلاثة لواءات مشاة، لواء مسلح واحد، سبعة كتائب مدفعية حتى 126 قطعة مدفعية، سبعة كتائب مدفعية مضادة للطائرات متضمنة صواريخ أرض جو وحتى 126 مسدس مضاد للطائرات ل37 مليمتر وأكثر، حتى 230 دبابة، حتى 480 مركبة مدرعة لكل الأنواع، حتى 22 ألف موظف.

منطقة B
• حدودها من الخط الأخضر شرقاً والى الخط الأحمر غرباً، وحدات الحدود المصرية مكونة من أربعة كتائب مجهزة بالأسلحة الخفيفة والمركبات ستمد الأمن وتستكمل الشرطة المدنية في الحفاظ على النظام في منطقة B، العناصر الرئيسية في كتائب الحدود الأربعة ستتكون حتى مجموع أربعة آلاف موظف، أجهزة إنذار مبكر لوحدات دورية الحدود قد تنشأ على ساحل هذه المنطقة.

منطقة C
• منطقة C يحدها الخط الأخضر غرباً والحد الدولي وخليج العقبة شرقاً، فقط قوات الأمم المتحدة والشرطة المدنية المصرية ستوضع في منطقة C. الشرطة المدنية المصرية المسلحة بالأسلحة الخفيفة ستجري وظائف الشرطة العادية خلال هذه المنطقة.
• قوة الأمم المتحدة ستنشر خلال منطقة C و تجري وظائفها، كما هو موضح في المادة الرابعة لهذا الملحق، قوة الأمم المتحدة ستوضع بصفة أساسية في المعسكرات المستقرة خلال المناطق المبينة، وستنشئ أماكنها المحددة بعد المشاورات مع مصر في المنطقة ما بين 20 كم من سيناء للبحر الأبيض المتوسط ومجاور للحدود الدولية، في منطقة شرم الشيخ.

منطقة D
• يحدها الخط الأزرق شرقاً والحد الدولي على الغرب، في هذه المنطقة سيكون هناك قوة محدودة إسرائيلية أربعة كتائب المشاة، وأجهزتهم العسكرية و التحصينات و قوات المراقبة الخاصة بالأمم المتحدة.(4)
استمر الحال على هذا النحو، منذ الانسحاب النهائي 1982 للقوات المحتلة، وألزمت مصر نفسها بكافة تفاصيل الإتفاقية وملاحقها، والخاصة بتوزيع وحجم قوتها على الأرض شرق قناة السويس، واسحبت قوات الاحتلال ولكن لم تحضر الدولة المصرية التي انهكها الصراع فأغلقت بابه وباب سيناء معه، تراجعت شبه الجزيرة المصرية في مرتبة التهديد وكذا في التنمية والاهتمام على خريطة أولويات الدولة، التي ترى فيها تقييدا لسيادتها، ما خلق فراغا وغيابا.

مع مرور عقد والثاني والثالث لم تكن سيناء البعيدة عن مركز الإدارة والحكم إلا مصدرا لتهديد يضرب في عقر الدولة من أطرافها وقلبها البعيد، عمليات إرهابية وتطرف وتنظيمات إسلامية، تضرب السياحة وتستهدف السياح وتفجيرات متتالية، بدأت من طابا أكتوبر 2004 سلسلة تفجيرات متزامنة، هجوم بسيارة ملغومة استهدف فندق "هيلتون طابا"، أوقع أكثر من 30 قتيلاً وعشرات المصابين مصريين وإسرائيليين وجنسيات أخرى، في ذات التوقيت وبذات الطريقة تم استهداف منتجعين سياحيين، بمدينة "نوبيع".

وفي العام التالي، مساء ليلة الثالث والعشرين من يوليو 2005، تكرر السيناريو ذاته، مسفرا عن وقوع ما يقرب من مائة قتيل، ومائتي مصاب في أكبر حصيلة من الضحايا تشهده مصر، ثم العام الذي يليه 25 أبريل 2006 تفجيرات مشابهة في مدينة "دهب".

الخطر الآن لا يأتي من قوات وجيش أي من المتعاقدين، بل من جماعات عقدية مسلحة، تشكل تهديدا على القاهرة أكثر مما تمثل لتل آبيب، مصريون مسلمون يواجهون الدولة في معادلة صفرية، لم يكن الوجود المصري سياسيا ولا عسكريا وأمنيا يرتقي لمستوى التحدي، إمكانات محدودة ومقيدة لدولة اختارت الحل الأمني، مستوى العدة والعتاد لا يسمح بهكذا مواجهة، لم يكن أمام مصر إلا طلب تعديل في هذا الواقع، وتغير مستوى التواجد كجزء من إجراءات السيادة على أراضيها، وهو ما يعني ضرورة تعديل بنود إتفاقية السلام.

التعديل.. بين الإمكانية والإتاحة:-

تستخدم المعاهدات الدولية مصطلحات مختلفة للتعبير عن "تعديل المعاهدة"، كتغيير أو إعادة النظر أو مراجعة، لكن لجنة القانون الدولي فرّقت وميزت بين تعديل المعاهدات وتغيير أو إعادة النظر فيها، حيث أن التعديل يكون محدودا بينما إعادة النظر يكون شاملا، وهو ما ولاه المجتمع الدولي اهتماما بالغا منذ عصبة الأمم، ونصت المادة 19 من العهد على "من حق الجمعية العامة أن تقوم بدعوة الدول من وقت لآخر لإعادة النظر في المعاهدات التي أصبحت غير قابلة للتطبيق".(5)

خصص الجزء الرابع من إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969 لتعديل المعاهدات والقواعد التكميلية للمعاهدة متعددة الأطراف، أما الثنائية لا توجد صعوبة في تعديلها فمتى انعقدت إرادة الطرفين إلى ذلك يتم التعديل وفقا للاتفاق، تخضع المعاهدات لقاعدة تنص على رضا الأطراف المتعاقدة على التعديل كشرط أساسي، واقتضاء التعديل يعني وجود مصلحة مشتركة لأطراف المعاهدة يراد الوصول إليها، الشيء الذي يوجب التعديل من أجل الوصول إليه.

وتضع العديد من المعاهدات المتعددة الأطراف شروطاً محددة وواجبة الاستيفاء كي تعتمد التعديلات، وفي حال غياب هذه الأحكام، تتطلب التعديلات رضا جميع الأطراف.(6)
أنواع التعديل:
• التعديل عن طريق الاتفاق الصريح.
• التعديل بالطريق العرفي.
• التعديل عن طريق ظهور قاعدة آمرة جديدة.(7)

فالقاعدة العامة "يجوز أن تعدل المعاهدة باتفاق أطرافها، وتسري على هذا الاتفاق القواعد الواردة في الجزء الثاني ما لم تنص المعاهدة على غير ذلك"، مع ذلك تميز المعاهدات بين أحكام خاضعة للتعديل وأخرى يحظر تعديلها، من أجل استقرار المعاهدة، وقد يوضع أمد زمني لا يجوز التعديل قبل إنقاضئه، مثل اتفاقية "مونترو 1936" المتعلقة بالمضايق التركية، بعد خمس سنوات.(8)
كما يقر القانون الدولي أن التغير الجوهري في الظروف التي دفعت الأطراف إلى قبول المعاهدة أو الاتفاقية الدولية يعد من أهم الأسباب الداعية لمراجعة المعاهدة، إذا أفضى التغير الجوهري لهذه الظروف إلى تقلب جذري في الالتزامات المتبقية، ويمكن للطرف المتضرر الاعتماد على نظرية "التغير الجوهري" في الظروف كسبب للمطالبة بإنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها(9)، لكنه يستثنى من ذلك معاهدات السلام واتفاقيات الحدود ذات الطبيعة الخاصة، مثل اتفاقية الهدنة التي أنهت الحرب الكورية 1950 – 1953، اتفاقية السلام في باريس عام 1973 التي أنهت الحرب الفيتنامية الأميركية، اتفاقية نيفاشا عام 2005 للسلام بين شمال وجنوب السودان، والأمر ذاته ينطبق على "معاهدة السلام".

فالاتفاقية تقع ضمن المعاهدات الملزمة دوليا، تتمتع بحصانة من التعديل والمراجعة الشاملة وإعادة النظر والانسحاب بحكم القانون الدولي، بحكم هذا الاستثناء يجعل إلغاؤها أو الانسحاب إعلان حرب، والدولة المنسحبة في وضع الدولة المعتدية.

لكن الأمر ليس على إطلاقه، تضمنت الاتفاقية حدود التعديل واقصرته على إجراءات الأمن، وألزمته بموافقة الطرفين، ففي المادة الرابعة من الاتفاقية، التي تقر بترتيبات أمنية متفق عليها، بما في ذلك مناطق محدودة التسليح، وقوات دولية تفصيلا من حيث الطبيعة والتوقيت (في الملحق الأول)، حددت أنه "يتم بناء على طلب أحد الطرفين إعادة النظر في ترتيبات الأمن المنصوص عليها في الفقرتين 1 ، 2 من هذه المادة وتعديلها باتفاق الطرفين".

يسمح هذا النص الذي يطلق عليه "آلية الأنشطة المتفق عليها"، لمصر كما للطرف الأخر بتغيير ترتيبات القوات في سيناء دون الاضطرار لإعادة النظر رسميا في المعاهدة نفسها، وهذا جل ما أرادته مصر، وطالبت به كما فرضته الظروف، فشبه جزيرة سيناء أصبحت خطرا على الدولة المصرية ذاتها، وعلى استقرار النظام وعلى قدرتها على تنفيذ إلتزاماتها تجاه المعاهدة ذاتها، وقد انقضت عقودا ومنعطفات كفيلة بالثقة أن السلام صار خيار مصر الاستراتيجي.
اتفاقية فيلادلفيا.. بين التعديل والإقرار

سبتمبر عام 2005، وفي إطار الترتيبات للانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، تم توقيع "اتفاق فيلادلفيا" مع مصر، الاتفاق تعتبره إسرائيل ملحقا أمنيا لمعاهدة السلام 1979، محكوم بمبادئها العامة وأحكامها، وهو ما أقرته الولايات المتحدة الأمريكية.

استنادا لآلية التعديل في المادة 4 من الاتفاقية، تم تعديل الملحق التنفيذي الخاص بالمادة ذاتها، فأسس قانونيا لدخول قوات حرس الحدود التابعة للجيش لمساعدة الشرطة المدنية في المنطقة "ج" للمرة الأولى منذ عام 1973، وسمح بزيادة عدد القوات المتمركزة بمنطقتي "أ" و"ب"، وعلى غرار الملحق الأمني قبل التعديل، حدد الاتفاق نوعية الأسلحة والبنية التحيتة، والبعثة والتزامات الأطراف.(10)

لكن الاتفاق الذي يحوي 83 بندا، جاء في مادته 9 أن هذه الاتفاقية لا تلغي أو تعدل اتفاق السلام: "يجب على جميع الأطراف إدراك أن نشر قوات حرس الحدود وهذه الترتيبات لا يعدل ولا ينقح ولا يغير معاهدة السلام بأي حال من الأحول، بل هي ترتيبات وتدابير أمنية إضافية لمواجهة التسلل وافق عليها الطرفان".

تمسك التعديل بالنص الأصلي والملحق الأمني المرفق بالاتفاقية، واعتبر ما يتم على الأرض مع مجرد إجراءات لا سند قانوني لها حال الخلاف، أو الطلب من جانبه بالعودة لوضع وحال الاتفاقية الأساس، لتأكيد ذلك المعنى شدد الاتفاق على أن حرس الحدود المصريين الذين تم نشرهم بمحاذاة الشريط الحدودي على محور (صلاح الدين، فيلادلفيا) البالغ طوله 14 كم «قوة مخصصة لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود» وليست "كقوى عسكرية".

هنا تثار إشكالية فمصطلح "التعديل" يشير إلى التغيير الرسمي في أحكام معاهدة، مما يؤثر في جميع الأطراف في الاتفاق المعني، أما هذا فتعديل على الأرض لا يوازيه مستوى التوثيق الرسمي القانوني الثابت.

إشكالية أخرى، إعمالا لمبدأ "يجب تنفيذ هذه التغييرات باتباع الإجراءات ذاتها التي اتُبعت في إعداد نص المعاهدة الأصلي"، فإن الاتفاق يجب أن يسلك مسار الاتفاقية الأساسية بعرضها على البرلمان والاستفتاء قبل التصديق والإقرار والإيداع، وهو ما لم يحدث في مصر. وأثير في الطرف الأخر "مسألة قانونية عرض أو عدم عرض الاتفاق على الكنيست"، نشأت الحاجة لبحث الاتفاق بسبب أن "المنطقة ج" من المعاهدة ستكون شبه مسلحة، مما يؤدي لتغير عملي في الاتفاقية الأم وبالتالي يحتاج لموافقة الكنيست.

هذا ما رأه رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست "يوفال شتاينتز" الذي اعترض على الأخذ بعدم عرضها، وبتأييد من العضو "داني ياتوم" قدما التماساً للمحكمة العليا ضد الحكومة، احتج رئيس الوزراء "أرئيل شارون" أن المعاهدة لم تغير وضع المنطقة ج من منطقة منزوعة السلاح، اعتمادا على المادة 9 من أن الاتفاق لا يعدل ولا ينقح ولا يغير معاهدة السلام بأي حال من الأحول، بل هي ترتيبات وتدابير أمنية.

"ترتيبات" سند حصانة ومرور بعيدا عن البرلمان أو السلطة التشريعية، وباسم المصلحة القومية العليا في 6 يوليو 2005، قضى النائب العام الإسرائيلي بعدم إلزام الحكومة بتمرير الاتفاقية على الكنيست، ويشير الموقع الرسمي للقوات الدولية متعددة الجنسيات في سيناء (MFO) لتعديلات طرأت على الاتفاقية في العامين 2007 و 2018، تمت بنفس الألية دون مسلك إجراءات التصديق، باعتبارها "تريبات" أتفق عليها "الطرفان".

لتظهر إشكالية أكبر وهي "دخول الغير"، ففي الإتفاقية الأساسية (المنطقة د) بها دوريات إسرائيلية طبقا للملحق الأمني الذي تحكمه المادة 4 من الاتفاقية الأساسية، لكن بعد الانسحاب أحادي الجانب وفك الارتباط بقطاع غزة، قامت حكومة الإحتلال بنقل سلطة (محور صلاح الدين، المنطقة د) للسلطة الفلسطينية، وفتحت معبر رفح نوفمبر 2005 تحت إشراف "السلطة الفلسطينية ومصر ومراقبين من الاتحاد الأوروبي"، بهذا صار الطرف الثاني على طول محور فيلاديلفيا هو السلطة وليس الاحتلال.

فما هو موقع السلطة الفلسطينية من الاتفاقية، وما موقع الاتفاقية بعد خروج أحد أطرافها لما بعد حدود إقليمها؟

من المبتدأ اتفاقية السلام التي وقعت بين مصر وإسرائيل عام 1979، أتت اتفاقية ثنائية بين طرفيها، مع أنها لم تنص على أنها "مغلقة" لا ينضم لها الغير، فديباجاتها انطلقت من قناعة الطرفين بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط، وأن الاتفاقية إطار يكون أساسا للسلام ليس بين مصر وإسرائيل فحسب بل أيضا بين إسرائيل وأي من جيرانها العرب كل فيما يخصه، ممن يكون على استعداد للتفاوض من أجل السلام معها.(11)

فتحت المعاهدة المجال للغير، لكن أغلقت الاتفاقية أمامه بالنص "كل فيما يخصه"، وأقصرت الاتفاقية على الاسترشاد لا الاتحاق والانضمام، وبحكم خصوصية الاتفاق الذي نظم الانسحاب من سيناء وترتيبات ما بعده، بما لا يندرج على غالبية الدول العربية التي لم يطالها احتلال.

لذا عندما تمت اتفاقيات سلام مع السلطة الفلسطينية "اتفاقية أوسلو"، ومع والأردن "وادي عربة" وما تلاها، أتت بتفاوض وإجراءات منفصلة، لم يلتحقا بإتفاقية السلام 1979، وبقمة "بيروت 2002" تقدم العرب بمبادرة عربية للسلام، ليس التحاقا للاتفاقية.

مع ذلك، الانسحاب المنفرد من غزة، وإشراف السلطة الفلسطينية على (محور صلاح الدين، فيلادلفيا، المنطقة د) وضعها موضع التزام الغير الذي تنظمه المادة 35 من معاهدة فيينا 1969، "ينشأ التزام على الدولة الغير من نص في المعاهدة إذا قصد الأطراف فيها أن يكون هذا النص وسيلة لإنشاء الالتزام، وقبلت الدولة الغير ذلك صراحة وكتابة"..مع انتفاء القصد المسبق، لكنها التطورات على الأرض فرضت الإلتزام، أما عن القبول فتم اعتبار "اتفاق المعابر" الذي وقع مع السلطة الفلسطينية، وتضمن آليات إدارة المعبر والمحور بمثابة القبول.

لكنها إشكالية تتجلى إذا ما أرادت قوة الاحتلال العودة للسيطرة على (محور صلاح الدين، فيلادلفيا) مجددا، فعلى مستوى السند القانوني لا يوجد تغيير للاتفاقية الأساس التي تحتكم لها مصر، فإسرائيل تبقى الطرف الثاني في الاتفاق، وليس السلطة الفلسطينية أو من يحل محلها على الأرض.!

التعديل على الأرض.. مخارج بديلة

"تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق المفاوضة"
المادة السابعة من اتفاقية السلام، مع قيام ثورة يناير وتفكك مؤسسات الدولة الأمنية، وحلحلة الأطراف وزيادة التهديد، لم يكن أما الدولة المصرية إلا تكثيف الوجود العسكري على الحدود الرخوة، طلبت و وافقت تل آبيب 2011 وتم نقل كتيبتين، حوالي 800 جندي، لمنطقة شرم الشيخ أقصى جنوب سيناء.

وفي أغسطس 2012، مع اشتداد حدة المواجهة في شمال سيناء احتاجت القوات المسلحة نقل أسلحة ثقيلة إضافية للمنطقة المنزوعة من السلاح، بما فيها مروحيات هجومية، لمحاربة المسلحين الذين نفذوا هجوما على حرس الحدود المصريين، راح ضحيته 16 جنديا، تلكأت إسرائيل، نفذ الجيش دون انتظار الموافقة، ما اعتبرته تل أبيب مخالفة لشروط معاهدة السلام، وطلبت من الولايات المتحدة التدخل، ردت مصر بأن نشر هذه القوات والأسلحة يتماشى مع الاتفاقات التي تم التوصل إليها مع إسرائيل عام 2011، وأفاد وزير الدفاع المصري أنذاك المشير "عبد الفتاح السيسي" لوزير الدفاع "إيهود باراك" التزام مصر بالحفاظ على بنود معاهدة السلام لعام 1979.

أتت الموافقة مجددا في يوليو 2013 بعد سقوط حكم الإخوان، وتصاعد الأحداث الإرهابية المتتالية بشبه جزيرة سيناء، لنشر قوات مصرية إضافية في الوسط والشرق، ضمن اتفاقات يتم تنسيق تنفيذها من خلال القوة المتعددة الجنسيات. وهو ما تكرر في عامي 2018 و 2020 بنفس الكيفية، اتفاقات بعد مفاوضات ثنائية في سياق ترتيبات غير منصوص عليها كتابة، ولا تمثل تعديلا على اتفاقية السلام 1979 وملاحقها، فهي زيادات مؤقتة ارتبطت بتطورات الحالة الأمنية، حتى تعديل 2021.

نقلة نوعية.. تعديل الاتفاقية

في الأسبوع الأول من نوفمبر 2021 أعلن الجيش المصري، تعديل الاتفاقية الأمنية مع إسرائيل، ليسمح بنشر المزيد من حرس الحدود المصري على طول المنطقة الحدودية في مدينة رفح، "يأتي في إطار اتفاق دولي لتعزيز دعائم الأمن وفق المستجدات والمتغيرات"، ونجحت "اللجنة العسكرية المشتركة بناءً على الاجتماع التنسيقي مع الجانب الإسرائيلي، في تعديل الاتفاقية الأمنية، بزيادة عدد قوات حرس الحدود وإمكاناتها بالمنطقة الحدودية في رفح، في إطار الإقرار بالأمر الواقع"(12).

الإعلان من جانب إسرائيل استخدم: "تعديلا على اتفاقيات كامب ديفيد" مع الجيش المصري، يتيح وجود قوات حرس في منطقة رفح (واقعة ضمن نطاق المنطقة ج) لصالح تعزيز وجود الجيش المصري الأمني فيها، برعاية وضمان الجانب الأميركي.

وقت ومدة التفاوض ومكانه، ممثلين الجانب المصري، معلومات صمت عنها الطرفان، اكتفى بيان جيش الكيان أنه عقد اجتماع "للجنة العسكرية المشتركة" للجيش الإسرائيلي ونظيره المصري، تم خلاله التوقيع على تعديل للاتفاقية (اتفاقية السلام) ينظم وجود قوات حرس في منطقة رفح لصالح تعزيز وجود الجيش المصري الأمني في هذه المنطقة".

"الوفد الإسرائيلي ترأسه كل من رئيس هيئة العمليات في قيادة الأركان الميجر جنرال "عوديد باسيوك"، ورئيس هيئة الاستراتيجية والدائرة الثالثة الميجر جنرال "تال كالمان" ورئيس لواء العلاقات الخارجية العميد "أفي دافرين"، والتعديل "تمت المصادقة عليه من قبل المستوى السياسي"، ممثلة في "مجلس أمن الدولة الإسرائيلي"، برئاسة رئيس الوزراء "نفتالي بينيت". الذي عقد اجتمعا بالرئيس المصري قبلها بسنة أشهر، تم خلاله الاتفاق السياسي.

إذن نحن أمام إعلان رسمي واضح وإقرار بـ"تعديل إتفاقية"، لا محضر جلسة ولا اتفاقا شفويا ومؤقتا، وصار هناك "بروتوكول التعديل" صك يتضمن أحكاماً تعدل المعاهدة، يلزم أتباعها بإجراءات تصديق الاتفاقية، لكن على الصعيد المصري لم تعرض الاتفاقية على البرلمان، ممثلة في "لجنة الشئون الدستورية والتشريعية" الموكل لها مطابقة المعاهدة أو التعديل للدستور قبل الطرح للنقاش العام على المجلس، وكذا بحث وجوب طرحها للاستفتاء الشعبي من عدمه. تم التعامل مع هذا التعديل أيضا بصفته "ترتيبات أمنية" على غرار ما سبق.

هذا ليس التساؤل القانوني الوحيد، فهناك المفاوض المعلن عنه من الطرفين "اللجنة العسكرية المشتركة"، واللجنة المشتركة مسمى انشأه البند الثالث من المادة الرابعة باتفاقية السلام، لكن الملحق الثاني للاتفاقية الذي يختص بتنظيم الانسحاب من سيناء، في مادته الرابعة نص "تعمل اللجنة المشتركة المشار إليها في المادة الرابعة من هذه المعاهدة، وحتى تاريخ اتمام الانسحاب الإسرائيلي النهائي من سيناء".
ليكون التساؤل، من أين أنبثقت هذه اللجنة المفاوضة ومتى تشكلت، هل تم التفويض لهذه المهمة فقط، أم أنها تطور لآلية "نظام الاتصال" الوارد في المادة السابعة من الملحق الأول الخاص بالترتيبات الأمنية ما بعد الانسحاب الناص على "عقب حل اللجنة يتم إنشاء نظام الاتصال بين الطرفين ويهدف إلى توفير وسيلة فعالة لتقييم مدى التقدم في تنفيذ الالتزامات، وفقا لهذا الملحق وحل أية مشكلة قد تطرأ أثناء التنفيذ، كما تقوم بإحالة المسائل التي لم بيت فيها إلى السلطات العسكرية الأعلى للبلدين كل فيما يخصه للنظر فيها، كما يهدف أيضا إلى منع أية مواقف قد تنشأ نتيجة أخطاء أو سوء فهم من قبل أي من الطرفين"(13).

خاتمة ونتائج:-

العقد شريعة المتعاقدين "كل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية" ..المادة 26 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969.
ـ منحت معاهدة فينا لقانون المعاهدات، ما يرد في المعاهدات من نصوص وبنود للتصديق والتعديل، إجراءا وتفسيرا أسبقية على ما عداه، باعتباره يمثل الإرادة الحرة المتفق عليها بين أطراف المعاهدة، متغاضية عما يفتحه من باب غبن لأحد أطراف المعاهدة، طالما ارتضى ذلك.
ـ السند القانوني أيا كانت قوته، والمؤسسات التي تحميه يظل ضعيفا أمام من يملك القوة على الأرض، أو يحتمي بالقوى العظمى، فيصير ما يرغبه هو السند وليس المعاهدة وما التزم به من بنود وإتفاقات، ليبقى القانون الدولي كله رهين هذه القوة.
ـ رغم مرور أكثر من أربعة عقود على توقيع الاتفاقية الأكثر جدلا في المنطقة، وعدم المساس بها من الجانب المصري إلا أن دولة الكيان تغيب مبدأ "حسن النية" طول الوقت.
ـ يجمع بين قيادة الطرفين الاتفاق على اتمام أي تعديل دون المرور بالإجراءات التي قد تعرقل الوصول لاتفاق، معتمدين على تفسير المادة الرابعة من الاتفاقية ب"ترتيبات أمنية"، رغم أن هذه الترتيبات ذاتها المعنية والمقتصر عليها التعديل الوارد بالاتفاقية، ما يستدعي تطبيق الإجراءات اللازمة، وهو ما لم يحدث.
ـ تلتزم مصر إلتزاما صارما بالاتفاقية وتتعامل بتفهم واسع الحساسية الإسرائلية لأي تغيير يطرأ أو تعديل يفرض نفسه على الأرض. وفي المقابل سعت خلال العقد الماضي لانتاج سياسية "التعديل والتغيير على الأرض" أولى بالاهتمام
ـ رغم وجود الاتفاقية منذ ما يزيد عن أربعة عقود إلا أن الموقف الشعبي تجاهها، يجعل قرار السلطة التنفيذية الانفراد بإدرة هذا الملف سياسيا وعسكريا، بعيدا عن المؤسسات الأخرى تشريعية أو شعبية، ما يجعل المعلومات المتوفرة عن تفاصيل ما يجري فيه شحيحة وغير معلنة.
ـ يمثل تعديل نوفمبر 2021 نصرا لمصر، أن تستعيد قواتها المسلحة السيطرة على كامل أرضها دون قيد أو شرط، كما أنه انتصارا للإرادة المصرية التي عبر عنها الفريق "عبد الفتاح السيسي" في مايو 2014 خلال ترشحه للرئاسة: "ما يريده الجيش يقوم به، ولو تطلب الأمر أن تعدل اتفاقية كامب ديفيد سنفعل، وإسرائيل ستتفهم لأنهم يتعاملون مع جيش دفاعي، ولا يتعامل إلا مع من يهدد أمن مصر القومي والعربي"، مع ذلك جاء الإعلان عنه مقتضبا، وسبقه إعلان المتحدث باسم جيش الطرف الثاني.

المراجع

(1) دكتور عز الدين فودة، مقدمة في القانون الدولي العام، مكتبة عين شمس، القاهرة، ص111ـ113.
(2) الدستور المصري، نسخة إلكترونية.
(3) المستشار الدكتور عبد العزيز محمد سالمات، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، الرقابة على دستورية المعاهدات، نسخة إلكترونية. https://manshurat.org/node/74780
(4) نص معاهدة السلام، نسخة إلكترونية. https://treaties.un.org/.../volume-1136-i-17813-english.pdf
(5) ميثاق عصبة الأمم، نسخة إلكترونية. https://www.ungeneva.org/ar/about/league-of-nations/covenant
(6) نص معاهدة فيينا لقانون المعاهدات 1969، مكتبة جامعة مينسوتا، نسخة إلكترونية. http://hrlibrary.umn.edu/arabic/viennaLawTreatyCONV.html
(7) دكتور محمد يوسف علوان، القانون الدولي العام، المقدمة والمصادر، ج1، 2007.
(8) معاهدة فيينا لقانون المعاهدات، مرجع سابق، المادة 39.
(9) اتفاقية فينا، مرجع سابق، الفصل الثالث، المادة 62.
(10) اتفاقية فيلادلفيا، نسخة إلكترنية. https://mfo.org/documents-and-downloads?ZojKKbH--=2
(11) اتفاقية السلام، مرجع سابق، ديباجة.
(12) الموقع الرسمي للمتحدث العسكري، عقيد أركان حرب غريب عبد الحفيظ غريب https://www.facebook.com/EgyArmySpox/?locale=ar_AR
(13) اتفاقية السلام، مرجع سابق، الملحق الثاني، المادة الرابعة.

مجلس النواب المصري يطالب بـ "إلغاء اتفاقية السلام" بين مصر و إسرائيل




تعليقات

يجب علينا تقديم خطاب إعلامي مقنع للجمهور، وعلى الجميع تحمل مسؤولياته والتعامل بحرص مع الموضوعات