موضوع بحثي: عن دور البرلمان في .. "تحقيق الشفافية" و "مكافحة الفساد الإداري"

الفساد الإداري ظاهرة سلبية عرفتها المجتمعات الإنسانية وعانت منها منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا.  فهو ذو آثار سلبية على جميع النواحي الاقتصادية والمالية والإدارية والسياسية فلا توجد دولة من الدول في عصرنا إلا وأعطت لموضوع الفساد قدرا من الأهمية وذلك لخطورته واستفحاله وشموله جميع مجالات الحياة.

لذلك سعت العديد من الدول إلى اعتماد آليات ووسائل عدة لمحاربة الفساد بكل أشكاله اذ تم تأسيس العديد من الهيئات الوطنية الحكومية ، وأقيمت الندوات والمؤتمرات كما اعتبرته  القوانين جريمة يعاقب عليها القانون .

ومن هذا كله ، تتولد الحاجة لتوصيف ماهية الفساد واثاره المدمرة ، ليتسنى فيما بعد تحري دور البرلمان في مواجهته ضمن مهامه التشريعية والرقابية .

وقد توصل البحث الى نتيجة مفادها  أن مظاهر الفساد ، تتنوع بتنوع مظاهر النشاط الإنساني ونزعاته المادية وميله الدائم لتغليب مصلحته الخاصة على مصلحة المجتمع . وان مواجهة هذا الخطر تتم بتظافر جهود جميع السلطات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية في المجتمع .

وفي هذا المجال يمكن التوصية  ببناء دولة القانون والمؤسسات ، وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص وتكريس العدالة والمساواة امام القانون ومحاسبة المفسدين الكبار قبل الصغار وعدم منح حصانة لمثل هؤلاء على حساب المجتمع . مع ضرورة التركيز على معيار الشفافية في الأداء مع تبسيط وسائل العمل وترشيق حلقاته ، وتحديد فترة محددة لإنجاز المعاملات واعتماد معايير النزاهة والكفاءة والعدالة عند التعيين والترقية والأداء.

                          المقدمة

الفساد الإداري آفة مجتمعية عرفتها المجتمعات الإنسانية وعانت منها منذ ظهور الإنسان على وجه البسيطة وحتى يومنا هذا. 

وهي اليوم موجودة في كافة المجتمعات الغنية والفقيرة، المتعلمة والأمية، القوية والضعيفة. 

فظهورها واستمرارها مرتبط برغبة الإنسان في الحصول على مكاسب مادية أو معنوية يعتقد في قرارة نفسه أنه ليس له حق فيها ومع ذلك يسعى إليها. 

ولذا فهو يلجأ إلى وسائل غير سوية للوصول لها، منها إقصاء من له أحقية فيها، ومنها أيضاً الحصول عليها عن طريق رشوة من بيده الأمر أو عن طريق آخر هو المحسوبية أو الواسطة عند ذوي الشأن.

لقد جاهدت الكثير من المجتمعات الحديثة للتخلص من آفة الفساد الإداري وعقاب المتسبب فيها، لأنها عقبة كأداء في سبيل التطور السليم والصحيح لتلك المجتمعات. وكان للسلطة التشريعية  في هذه الدول  ، الاثر البارز في جهود مكافحة الفساد الاداري عبر تصديها لمهام التشريع والرقابة على مؤسسات الدولة كافة تتقدمها السلطة التنفيذية.

والدول التي استشرى بها الفساد بكل أنواعه ، حتى غدا آفة تهدد بنيان الدولة ومستقبلها ، فتجاوز في تأثيره خطر الإرهاب ودماره ، ترافق ذلك مع تعثر دور مجلس النواب  في مهمة التصدي لمظاهر الفساد في مؤسسات الدولة بل وتورط عدد اعضاءه في صفقات فساد .

ومن هنا تتولد الحاجة لأدراك ماهية الفساد الإداري وبيان أسبابه ، وصوره ، فضلا عن تحديد أهم آثاره المدمرة  ، والتحري بعد ذلك عن الدور المفترض للبرلمان في مكافحته .

تأسيسا على ما تقدم ، جرى تقسيم الدراسة على مبحثين هما :

المبحث الأول :  الفساد الإداري (إطار نظري).

المطلب الأول : تعريف الفساد الإداري وصوره

المطلب الثاني  : آثار الفساد الإداري

المبحث الثاني :  دور البرلمان في محاربة الفساد الإداري

المطلب الأول : الدور التشريعي للبرلمان في محاربة الفساد

المطلب الثاني : الدور الرقابي للبرلمان في محاربة الفساد

المبحث الأول : تعريف الفساد الإداري

للوقوف على معنى الفساد الإداري ، ينبغي إستجلاء دلالته اللغوية والاصطلاحية. وانطلاقا من هذا جرى تقسيم هذا المبحث على مطلبين :

المطلب الأول :  معنى الفساد لغة

ورد في معجم لسان العرب: الفساد نقيض الصلاح ، فسد  يفسد و فسد  فسادا وفسودا ، فهو فاسد ، و فسيد، و تفاسد القوم : تدابروا ، و قطعوا الأرحام و استفسد السلطان قائده إذا أساء إليه حتى اذ اساء اليه حتى قالوا ( هذا الأمر مفسدة لكذا أي فيه فساد ) والاستفساد : خلاف الاستصلاح .

وجاء في معجم الراغب الأصفهاني ، الفساد من الثلاثي ( ف ، س، د ) و هو أصل يدل على الخروج فالفساد خروج الشيء عن الاعتدال قليلا كان الخروج عنه أو كثيرا ، و يضاده الصلاح ، ويستعمل ذلك في النفس و( البدن و الأشياء الخارجة عن الاستقامة) .

كما تُشير كلمة "فساد" في اللغة العربية إلى (العطب ، البطلان ، التلف ، والاضطراب ، والخلل وإلحاق الضرر) وتأتي من الفعل )فَسَد) ضد صَلُحَ ، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل  كما يأتي تعبير الفساد على معانٍ عدة بحسب موقعه . فهو (الجدب أو القحط) كما في قوله تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) أو (الطغيان والتجبر) كما في قوله تعالى (للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً)  أو (عصيان لطاعة الله) كما في قوله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً إن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم عذاب عظيم) .

ونرى في الآية الكريمة السابقة تشديد القرآن الكريم على تحريم الفساد على نحو كلي، وإن لمرتكبيه الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة) .

وهكذا تُشير كلمة "فساد" في اللغة العربية إلى كل سلوك يتضمن معاني (الضرر والخلل والتلف وتقطيع أوصال المجتمع). 

أما الفساد في اللغة الإنجليزية فيعني (  corruption  ) التلف والتدهور الأخلاقي ، وأيضاً الرشوة. 

وهكذا يتضح أن مفهوم الفساد في اللغة الإنجليزية يشير إلى السلوك الفعلي الذي ينطوي على التلف والتدهور الأخلاقي.

وتأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن الدلالة اللغوية لكلمة الفساد تعني: (الإتلاف وإلحاق الضرر والأذى بالآخرين).

المطلب الثاني : الفساد اصطلاحاً

اختلف الفقه حول تعريف الفساد نظرا لاختلاف منابعهم و توجهاتهم الفكرية لهذا يقول " جاردنر " أنه لا يوجد إجماع حول تعريف الفساد ، و ربما يعود ذلك إلى عمومية و سعة استخدامه في المجال السياسي اليومي ، وانعكاسه على باقي القطاعات والتيارات.

وانطلاقاً مما سبق نجد أن هناك العديد من التعريفات المتنوعة، والتي اختلفت من باحث إلى آخر. وربما يرجع هذا التعدد إلى أن الفساد مفهوم مركب ومطاط وينطوي على أكثر من بعد ، علاوة على أن هذا المفهوم يختلف من عصر إلى آخر، ومن مكان إلى آخر. كذلك يمكن أن تختلف النظرة إلى السلوك الذي تنطبق عليه خاصية الفساد طبقاً لدلالته؛ فالمحسوبية والمحاباة، على سبيل المثال، ربما يُنظر إليها على نحو مختلف تماماً في المجتمعات التي بها التزامات قرابية، فضلاً عن صعوبة وضع معايير عامة تنطبق على ظاهرة الفساد في كل المجتمعات؛ لأن المعايير الاجتماعية والقانونية إذا انطبقت في بعض الجوانب، فإنها قد تكون متعارضة تماماً في جوانب أخرى في عديد من الدول والأمم المختلفة.

في هذا الإطار يمكن تحديد أهم الاتجاهات الأساسية في تعريف الفساد على النحو الآتي:

1. الاتجاه الأول: الفساد هو إساءة الوظيفة العامة، من أجل تحقيق مكاسب خاصة

يؤكد أنصار هذا الاتجاه أن الفساد هو وسيلة لاستخدام الوظيفة العامة، من أجل تحقيق منفعة ذاتية ـ سواء في شكل عائد مادي أو معنوي ـ وذلك من خلال انتهاك القواعد الرسمية والإجراءات المعمول بها. ومن هذه التعريفات على سبيل المثال، تعريف (كريستوفر كلافان) الذي عرّف الفساد بأنه "استخدام السلطة العامة من أجل تحقيق أهداف خاصة"، وأن تحديد هذا المفهوم ينشأ من خلال التمييز بين ما هو عام وما هو خاص.

ويأتي في هذا الإطار، أيضاً، تعريف( كوبر) بأن الفساد الإداري هو "سوء استخدام الوظيفة العامة أو السلطة للحصول على مكاسب شخصية أو منفعة ذاتية، بطريقة غير شرعية".

وقد سار على المنوال نفسه كثير من الباحثين في ربط الفساد الإداري بإساءة استخدام الوظيفة العامة؛ فيرى (روبرت بروكس) أن الفساد الإداري هو "سلوك يحيد عن المهام الرسمية لوظيفة عامة بهدف الحصول على منافع خاصة؛ أو أنه الأداء السيئ المقصود، أو تجاهل واجب محدد معروف، أو الممارسة غير المسموح بها للسلطة، وذلك بدافع الحصول على مصلحة شخصية مباشرة بشكل أو بآخر. 

وهكذا يتبين أن هذا الاتجاه يوضح أن السلوك المنطوي على الفساد ليس بالضرورة مخالفاً لنصوص القانون، وإنما يعني استغلال الموظف العام سلطته ونفوذه لتحقيق مكاسب خاصة، وذلك من خلال تعطيل نصوص القانون، أو من طريق زيادة التعقيدات البيروقراطية في تنفيذ الإجراءات، أو انتهاك القواعد الرسمية.

2. الاتجاه الثاني: الفساد هو انتهاك المعايير الرسمية والخروج على المصلحة العامة

يركّز هذا الاتجاه على أن السلوك المنطوي على الفساد هو ذلك السلوك الذي ينتهك القواعد القانونية الرسمية، التي يفرضها النظام السياسي القائم على مواطنيه. ويُعد (جارولد مانهايم ) من أهم العلماء المعبرين عن هذا الاتجاه القانوني. 

عرف ( مانهايم) الفساد بأنه "سلوك منحرف عن الواجبات والقواعد الرسمية للدور العام، نتيجة للمكاسب ذات الاعتبار الخاص (سواء شخصية أو عائلية أو الجماعات الخصوصية)، والتي تتعلق بالثروة أو المكانة. أو السلوك الذي ينتهك الأحكام والقواعد المانعة لممارسة أنماط معينة من التأثير والنفوذ ذوي الطابع الشخصي الخاص".

وكذلك تعريف (هينتجتون) للفساد الإداري بأنه "سلوك الموظف العام الذي ينحرف عن القواعد القانونية السائدة، بهدف تحقيق منفعة ذاتية".

وعلى الرغم من أهمية هذا النوع من التعريفات للفساد، إلا أنها لا تعبر بالضرورة عن كل أشكال الفساد عن الخروج على القانون؛ إضافة إلى أن التعريفات القانونية للفساد غير كافية؛ لأن المميزات المحددة غالباً ما تحدد من خلال العرف الاجتماعي والعكس بالعكس؛ فضلاً عن ذلك فإنه من الصعب وضع معايير عامة للسلوك المقبول، خاصة في الدول الأكثر عرضة للتغير السياسي والاجتماعي.

بعد عرض الاتجاهات السابقة في تعريف الفساد بشكل عام، يمكن تحديد مفهوم الفساد الإداري بوصفه "استغلال رجال الإدارة ، العاملين في كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها ، للسلطات الرسمية المخولة لهم والانحراف بها عن المصالح العامة، تحقيقاً لمصالح ذاتية وشخصية بطريقة غير مشروعة".

المبحث الثاني : مظاهر الفساد الإداري وآثاره

تتنوع مظاهر الفساد بتنوع اسبابه والظروف والتركيبة المرضية الذاتية لكل مجتمع ، ولكل فرد ضمن المجتمع ذاته . 

ومع اختلاف مظاهر الفساد ، تتباين اثاره من حيث الطبيعة ودرجة التأثير لاسيما اذا ما اقحمنا عنصر الزمن في معادلة وعمق التأثير.

وتبعا لما تقدم جرى تقسيم هذا المبحث على مطلبين :

المطلب الأول : مظاهر الفساد الإداري

المطلب الثاني : آثار الفساد الإداري

المطلب الأول : مظاهر الفساد الإداري

إن مظاهر الفساد الإداري متعددة ومتداخلة بحيث يصعب حصرها باتجاه واحد او إخضاعها لمعيار منفرد . 

وغالباً ما يكون انتشار احد أنماط الفساد  سبباً مساعداً على انتشار المظاهر الأخرى. ويمكن إجمالها بالاتي :

الفرع الاول :الفساد من حيث القصد

1- الفساد العرضي : هو الفساد الذي يحدث عند قاعدة الهرم الإداري من قبل صغار الموظفين ويعبر غالبا عن سلوك شخصي أكثر منه تعبيرا عن نظام عام كحالات الاختلاس على نطاق محدود او تلقي الرشوة الخفيفة او سرقة أدوات مكتبية وما الى ذلك.

2- الفساد المنظم: وهو الذي يحدث حين تتحول إدارة المنظمة الى إدارة فاسدة بمعنى أن يدير العمل برمته شبكة مترابطة للفساد يستفيد ويعتمد كل عنصر منها على الآخر مثال ذلك شبكة الفساد التي تضم مدير الدائرة ومدراء المشاريع والمدير المالي والتجاري.

الفرع الثاني: الفساد من حيث الحجم

1 . الفساد الصغير 

(فساد الدرجات الوظيفية الدنيا) وهو الفساد الذي يمارس من فرد واحد دون تنسيق مع الآخرين لذا نراه ينتشر بين صغار الموظفين عن طريق استلام رشاوى من الآخرين .

2 . الفساد الكبير 

(فساد الدرجات الوظيفية العليا من الموظفين) والذي يقوم به كبار المسؤولين والموظفين لتحقيق مصالح مادية أو اجتماعية كبيرة ؛ وهو أهم واشمل واخطر لتكليفه الدولة مبالغ ضخمة

وغالبا ما يرتبط بالمقاولات أي المشاريع الكبرى ، لأن القائمين عليها لا تدخل عليهم إلا بجواز مرور ، هذا الجواز هو انك تملك النفوذ المادي والسياسي . 

أشخاص يدمجون الهيمنة السياسية بالسيطرة الاقتصادية فيسيطرون على الأمور ويسخرونها لخدمة أغراضهم الخاصة. 

الفرع الثالث : الفساد من حيث النطاق

1 . الفساد الدولي :-

وهذا النوع من الفساد يأخذ مدى واسعاً عالميا يعبر حدود الدول وحتى القارات ضمن ما يطلق عليها (بالعولمة) بفتح الحدود والمعابر بين البلاد وتحت مظلة ونظام الاقتصاد الحر .

ترتبط المؤسسات الاقتصادية للدولة داخل وخارج البلد بالكيان السياسي أو قيادته لتمرير منافع اقتصادية نفعية يصعب الفصل بينهما لهذا يكون هذا الفساد أخطبوطياً يلف كيانات واقتصادات على مدى واسع ويعتبر الأخطر نوعاً .

2 . الفساد المحلي :-

وهو الذي ينتشر داخل البلد الواحد في منشأته الاقتصادية وضمن المناصب الصغيرة ومن الذين لا ارتباط لهم خارج الحدود (مع شركات أو كيانات كبرى أو عالمية) .

الفرع الرابع : الفساد من حيث الممارسة والأداء

1- الانحرافات التنظيمية  :-

ويقصد بها تلك المخالفات التي تصدر عن الموظف في أثناء تأديته لمهمات وظيفته والتي تتعلق بصفة أساسية بالعمل , ومن أهمها :

· عدم احترام العمل - امتناع الموظف عن أداء العمل المطلوب منه - التراخي - عدم الالتزام بأوامر وتعليمات الرؤساء. 

· السليبة , ومن صور ذلك : ( اللامبالاة – عدم إبداء الرأي – عدم الميل إلى التجديد والتطوير والابتكار – العزوف عن المشاركة في اتخاذ القرارات . 

·عدم تحمل المسؤولية , ومن صور ذلك : ( تحويل الأوراق من مستوى إداري إلى آخر – التهرب من الإمضاءات والتوقيعات لعدم تحمل المسؤولية).

· عدم الامانة والدقة في اداء واجبات العمل .

· إفشاء أسرار العمل . 

2-الانحرافات السلوكية :-

ويقصد بها تلك المخالفات الإدارية التي يرتكبها الموظف وتتعلق بمسلكه الشخصي وتصرفه , ومن أهمها :

· عدم المحافظة على كرامة الوظيفة , ومن صور ذلك : ( ارتكاب الموظف لفعل مخل بالحياء في العمل كاستعمال المخدرات أو التورط في جرائم أخلاقية ) .

· سوء استعمال السلطة أو الانحراف بها، ويقصد بذلك الاستخدام العمدي من الإدارة لسلطتها لتحقيق هدف خاص أو مغاير لذلك الذي من اجله منحت تلك السلطة. 

· ومن صور ذلك : ( كتقديم الخدمات الشخصية وتسهيل الأمور وتجاوز اعتبارات العدالة الموضوعية في منح أقارب أو معارف المسئولين ما يطلب منهم).

· المحاباة أي تفضيل جهة على أخرى بغير وجه حق كما في منح المقاولات والعطاءات أو عقود الاستئجار والاستثمار .

· الوساطة , فيستعمل بعض الموظفين الوساطة شكلا من أشكال تبادل المصالح . والوساطة هي حالة استجابة الموظف لرجاء أو توصية يؤديه الغير إلى صاحب الحاجة للقيام بالعمل أو الامتناع عنه أو حتى الإخلال .

3- الانحرافات المالية والجنائية :-

ويقصد بها المخالفات المالية والإدارية التي تتصل بسير العمل المنوط بالموظف , وتتمثل هذه المخالفات فيما يلي  :

· مخالفة القواعد والأحكام المالية المنصوص عليها داخل المنظمة .

· فرض (الابتزاز) وتعني قيام الموظف بتسخير سلطة وظيفته للانتفاع من الأعمال الموكلة إليه في فرض الإتاوة على بعض الأشخاص أو استخدام القوة البشرية الحكومية من العمال والموظفين في الأمور الشخصية في غير الأعمال الرسمية المخصصة لهم لغرض الحصول على المال من الأشخاص مستغلاً موقعه الوظيفي بتبريرات قانونية أو إدارية أو إخفاء التعليمات النافذة على الأشخاص المعنيين كما يحدث في دوائر الضريبة أو تزوير الشهادة الدراسية أو تزوير النقود.

· إتلاف وتبديد الأموال العامة ,ويقصد بذلك إساءة استخدام واستعمال أموال وممتلكات الإدارة عن عمد أو إهمال بقصد تخريبها أو إتلافها  أو انتقاصها أو تضييع وتفويت ربح محقق للإدارة من وراءها أو بقصد تعطيلها عن أداء ما خصصت له من مهام .

· الرشوة وتعني حصول الشخص على منفعة تكون مالية في الغالب لتمرير أو تنفيذ إعمال خلاف التشريع أو أصول المهنة.

ولا يخفى فان اخطر انواع الفساد هو ذلك النوع المنظم والمدار من السلطة  وان كانت جميع الأنواع المتقدمة تحدث اثارا ضارة وانعكاسات سلبية على المجتمع .

وإجمالا فان القاسم المشترك بين هذه التقسيمات هو (وحدة الهدف المتمثل بتحقيق أقصى المنافع الخاصة من الوظيفة العامة وبطرق غير مشروعة).

المطلب الثاني : آثار الفساد الإداري

لما كان الفساد الاداري ظاهرة مرضية تصيب المجتمعات بأعراضها  ، فإنها ستترك بالضرورة اثارا ضارة على كل الاصعدة ( السياسية والاقتصادية والاجتماعية ) .

وللوقوف على طبيعة هذه الاثار جرى تقسيم المطلب على الفروع الاتية :-

الفرع الاول : الآثار السياسية والقانونية :

تنتج الاثار السياسية للفساد الاداري من استغلال أصحاب النفوذ لمواقعهم المميزة في المجتمع وفي النظام السياسي الذي يتيح لهم الاستئثار بالجانب الأكبر من المنافع الاقتصادية بالإضافة الى قدرتهم على مراكمة الأصول بصفة مستمرة مما يؤدي الى توسيع الفجوة بين هذه النخبة وبقية أفراد المجتمع.

وهذه الفئة المتنفذة؛ تنجح من خلال نفوذها في الدولة باستصدار قوانين او أنظمة تخلق او تحمي احتكارا تجاريا او صناعيا او خدميا كي تجني بواسطته ريعا ربحيا على حساب المستهلك. وقد يصل الفساد الى مستوى ما اصطلح عليه في العلوم الاجتماعية والسياسية (اقتناص الدولة) او (أسرها)؛ وقد يصل بالدولة الى مستوى (الدولة الفاشلة) او إبقاءها في مستوى (الدولة الرخوة). 

ان انتشار الفساد الاداري يؤثر سلباً في أمن واستقرار البلد وهو يقوض العمل المؤسساتي ،والديمقراطية ،واسس العدالة.

كما يضرب مصداقية الدولة ومؤسساتها وبالتالي سيزعزع ثقة افراد المجتمع بها ويخلق فجوة كبيرة مابين طرفي المعادلة المجتمع والدولة .

وحين يتفشى الفساد وتزداد الفجوة بين الأقلية المترفة والأغلبية الفقيرة والمسحوقة ، فان ذلك  يؤدي الى ظهور احتجاجات واسعة من قبل المحرومين والمهمشين ، قد يصل الحال الى حد استعمال العنف كآلية لمواجهة الحرمان والتهميش ؛ الأمر الذي يعني انتشار الفوضى وانعدام الاستقرار السياسي .

وعلى مستوى الاثار القانونية يلاحظ ان القانون يفقد هيبته في المجتمع لان المفسدين يملكون تعطيل القانون وقتل القرارات التنظيمية ويصبح واضح للعيان ان القانون في سبات عميق وان الجزاءات واللوائح لا تطبق ضد المخالفات الصريحة والمدمرة لأمن البلد والمجتمع فلابد للفرد ان يفقد ثقته في هيبة القانون في المجتمع وتصبح مخالفته هي الاصل واحترام القانون هو الاستثناء.

ويعمل الفساد على خلق ثقافة يفلت فيها المفسدون من المسألة عن تصرفاتهم .

وكذلك يعمل على تكريس نظام يغفل فيه سيادة القانون بشكل كبير فيسهم في ارتفاع معدلات الجريمة نتيجة سهولة الهروب من العقاب.

الفرع الثاني : الآثار الاقتصادية والادارية  :-

من ناحية الاثار الاقتصادية للفساد الاداري هناك اتفاق عام على ان التنمية والنمو الاقتصادي يصيبها الضرر من جراء ممارسات الفساد من حيث انخفاض معدل العائد الاستثماري ؛ اذ ان المبالغ التي يدفعها المستثمر كعمولات ورشاوى على كلفة المشروع ستجد ما يعوضها من خلال ذلك الانخفاض.

وهكذا سوف يساهم الفساد في تدني كفاءة الاستثمار العام ، وأضعاف مستوى الجودة في البنية التحية العامة ، وذلك بسبب الرشاوى التي تحد من الموارد المخصصة للاستثمار وتسيء توجيهها أو تزيد من كلفتها.

اضف الى ذلك ان للفساد أثر مباشر في حجم ونوعية موارد الاستثمار الأجنبي، ففي الوقت الذي تسعى فيه البلدان النامية إلى استقطاب موارد الاستثمار الأجنبي لما تنطوي عليه هذه الاستثمارات من إمكانات نقل المهارات والتكنلوجيا، فقد أثبتت الدراسات أن الفساد يضعف هذه التدفقات الاستثمارية وقد يعطلها مما يمكن أن يسهم في تدني إنتاجية الضرائب وبالتالي تراجع مؤشرات التنمية البشرية خاصةً فيما يتعلق بمؤشرات التعليم والصحة.

كما يرتبط الفساد بتردي حالة توزيع الدخل والثروة، من خلال استغلال أصحاب النفوذ لمواقعهم المميزة في المجتمع وفي النظام السياسي، مما يتيح لهم الاستئثار بالجانب الأكبر من المنافع الاقتصادية التي يقدمها النظام بالإضافة إلى قدرتهم على مراكمة الأصول بصفة مستمرة مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين هذه النخبة وبقية أفراد المجتمع الامر الذي  سيؤدي بالنتيجة  الى حصول تمايز طبقي وفجوة كبيرة بين من يملكون وبين من لا يملكون.

إلى جانب ما سبق من آثار يلاحظ ان الفساد الإداري يؤدي الى حدوث خلل كبير في أخلاقيات العمل من خلال سيادة حالة ذهنية لدى الافراد والجماعات تبرر الفساد وتجد له من الذرائع ما يبرر استمراره ؛ الأمر الذي يقود الى فقدان الثقة لدى الفرد بأهمية العمل الفردي وقيمته وتراجع الاهتمام بالحق العام  طالما ان الدخول المكتسبة عن الممارسات الفاسدة تفوق في قيمتها المادية الدخول المكتسبة عن العمل الشريف ، مما يتولد عنه شعور بعدم المبالاة والإهمال وعدم الإخلاص والحرص على المصلحة العامة. 

أما على الصعيد الاداري ، سيعمل المفسدون على إكثار الحلقات الروتينة وتعقيدها وستؤدي الى زيادة إجراء الأعمال لغرض ابتزاز المواطن أو يتحملها من خلال زيادة الأسعار ، او أنها تصبح بمثابة العائق أمام دخول المؤسسات الى السوق .

كما يتسبب الفساد الإداري بإهدار جزء كبير من موارد المؤسسات التي تشكل روافد أساسية لتغذية ميزانية الدولة المتحققة من الضرائب والجمارك والمصادر الايرادية الأخرى لتغطية متطلبات الفساد بدلاً من إنفاقها على أنشطة تعزيز النمو والتقدم .

ويسهم الفساد ايضا في تراجع الاحساس بمسؤولية الوظيفة العامة وروح الابداع والابتكار في الأعمال لضعف القانون في حماية حقوق الملكية الفكرية ..من ناحية أخرى سيولد الفساد الإداري ثقافة لاتقل في شدة الدمار عن ثقافة السلاح الا وهي ثقافة ترسيخ الفساد من خلال حرص المسؤولين المفسدين في المؤسسات عموماً على عدم تغيير القوانين واللوائح والقواعد التي اغتنوا بسببها ،بل سيعملون على التمسك بها وتعميقها وتوليد المزيد منها من اجل المزيد من الإثراء الفاسد.

المبحث الثاني : مهام مجلس النواب في مكافحة الفساد الاداري

صلاحيات السلطة التشريعية تنقسم الى دورين، يتمثل الأول بتشريع القوانين واقرارها، أما الدور الثاني فهو الرقابة على اداء واعمال السلطة التنفيذية ، واستعمال ادوات التشريع والمساءلة لممارسة هذين الدورين وفقاً للاختصاصات المنصوص عليها في الدستور.

ومن هنا جرى تقسيم هذا المبحث على المطلبين الآتيين :

المطلب الأول:  المهام التشريعية

يحتل تشريع القوانين المرتبة الاولى من بين واجبات الهيئة التشريعية ، وهذه القوانين تتنوع حسب الحاجة اليها ، وقد تكون هذه الحاجة تسيير مرفق عام من مرافق الدولة او محاولة القضاء على ظاهرة معينة تضر بكيان الدولة من جميع جوانبه ومن بين تلك الظواهر ظاهرة الفساد الاداري التي دفعت البرلمان الى تشريع عدد من القوانين بعضها نص على إنشاء اجهزة متخصصة لمحاربة الفساد الاداري والقضاء عليه ، والبعض الاخر من تلك القوانين شرع لغرض ضبط العمل في المرفق العام.

وانطلاقا مما سبق سنقسم هذا المطلب على فرعين وكالاتي :

الفرع الأول : الأجهزة الإدارية المتخصصة بمحاربة الفساد

شرع البرلمان قوانين مؤسسات رقابية في  لمحاربة الفساد بشكل خاص وهذه المؤسسات هي :

اولاً:  الجهاز المركزي للمحاسبات

الجهاز المركزى للمحاسبات هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية عامة تتبع رئيس الجمهورية. 

وتهدف اساسا الى تحقيق الرقابة على اموال الدولة واموال الاشخاص العامة الاخرى وغيرها من الاشخاص المنصوص عليها فى قانونية. 

كما تعاون مجلس الشعب فى القيام بمهامه فى هذه الرقابة.ويشكل الجهاز من رئيس الجهاز ونائب الرئيس ووكلاء ومديرى ادارات مراقبة الحسابات واعضاء فنيين رقابيين ، وغيرهم ممن يشغلون وظائف تنظيمية وادارية ووظائف كتابية .. الخ.

ويبلغ المجموع الكلى لعدد العاملين بالجهاز على اختلاف مجموعاتهم الوظيفية اثنى عشر الف عامل.ويتكون الهيكل التنظيمى للجهاز من فرعين ، هما :-

 فرع (1) : يتألف من سبع وعشرين ادارة مركزية على رأس كل منها وكيلا للجهاز من فئة وكيل اول.

 فرع (2) : يتألف من ست وثلاثين ادارة مراقبة حسابات على رأس كل منها مديرا من فئة وكيل اول.

ثانياً:هيئة الرقابة الإدارية

هيئة مستقلة تتبع رئيس الجمهورية، تأسست بالقانون رقم ٥٤ لسنة ١٩٦٤، تتمتع بالاستقلال الفني والمالي والإداري.

تهدف الهيئة الي منع الفساد ومكافحته بكافة صوره واتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمة للوقاية منه، ضماناً لحسن أداء الوظيفة العامة، وحفاظاً علي المال العام وغيره من الاموال المملوكة للدولة.

الفرع الثاني : التشريعات التي تعالج قضايا الفساد

اولاً : قانون العقوبات المصري

نظم هذا القانون ( الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة) و التي تشمل جرائم الرشوة والاختلاس وتجاوز الموظفين حدود وظائفهم ، وتتحقق الاخيرة عند قيام الموظف باستلام الرشوة باي صورة سواء كانت بطلب الموظف او قبوله لنفسه او لغيره عطية او منفعة او ميزة او وعدا بشيء من ذلك لإداء عمل من اعمال وظيفته او الامتناع عنه او الاخلال بواجبات الوظيفة ، وقد عاقب المشرع العراقي بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او الحبس اذا حصل الطلب او القبول او الاخذ بعد اداء العمل او الامتناع عنه بقصد المكافاة على ما وقع من ذلك .

كما تعد جريمة الاختلاس من اخطر جرائم الفساد المالي ، والمقصود بالاختلاس استيلاء الموظف او المكلف بخدمة عامة على الاموال التي تحت عهدته ، وقد عاقب المشرع الجنائي الموظف او المكلف بخدمة عامة الذي يرتكب جريمة الاختلاس بالسجن عندما يكون قد اختلس او اخفى مالا او متاعا او ورقه مثبتة لحق او غير ذلك مما وجد في حيازته وشددت العقوبة الى  السجن المؤبد او المؤقت اذا كان الموظف او المكلف بخدمة عامة من مأموري التحصيل او المندوبين له او الامناء على الودائع او الصيارفة واختلس شيئا مما سلم له بهذه الصفة وتكون العقوبة السجن كل موظف او مكلف بخدمة عامة استغل وظيفته فاستولى بغير حق على مال او متاع او ورقة مثبتة لحق او غير ذلك مملوك للدولة او لإحدى المؤسسات او الهيئات التي تسهم الدولة في مالها بنصيب ما او سهل ذلك لغيره.

ثانياً : قانون مكافحة غسيل الأموال و تمويل الإرهاب.

مما سبق عرضه من تشريعات قانونية يتضح ان البرلمان يمارس دوره في محاربة الفساد الإداري من خلال تشريع القوانين اللازمة للقضاء على الفساد المستشري في مفاصل الدولة.

المطلب الثاني : المهام الرقابية

سلطة البرلمان في محاربة الفساد الإداري لاتقف عند تشريع القوانين انما تمتد الى مدى ابعد من ذلك ، أذ يقوم البرلمان بدور رئيس في الأنظمة النيابية وهذا الدور يتمثل بالرقابة على انشطة  الحكومة من خلال عدة وسائل رقابية منحه اياها الدستور، فالبرلمان يحاسب الحكومة عن تصرفات ويراقب أعمالها من خلال مناقشة سياستها العامة التي وردت في المنهاج الوزاري الذي اعتمده البرلمان ، فهو المسئول عن متابعة وتقييم أعمال الحكومة ، ويستطيع البرلمان من خلال الرقابة التحقق من مشروعية تصرفات السلطة التنفيذية وأعمالها ومدى استهدافها الصالح العام، ومنع الانحراف، والالتزام بالميزانية التي أقرها، حفاظا على الأموال العامة من الإهدار .

ومن مطالعة دساتير الدول العربية واللوائح الداخلية لمجالسها نجد أن للبرلمان دورا كبيرا في مواجهة فساد الحاكم أو رئيس الدولة ، على الأقل من الناحية القانونية، بداية من طريقة اتهامه ونهاية بسحب الثقة منه أو عزله، وكذا الوزراء، وذلك من خلال تشريعات خاصة بمحاسبة كبار مسئولي الدولة.

وبالإضافة الى هذا الدور المقرر دستورياً للبرلمان فى مواجهة مختلف أشكال الفساد، فهناك دور النواب فى متابعة تنفيذ هذه التشريعات، ومكافحة إفسادها، وكما يأتي :

الفرع الاول :  السؤال والاستجواب

يقصد بالسؤال انه حق شخصي لعضو البرلمان يستطيع بواسطته ان يوجهه الى احد اعضاء الوزارة بقصد الاستيضاح منه عن قضية معينة . وللسائل فقط ولمرة واحدة ان يعقب على جواب الوزير وله ايضا ان يطلب الغاء السؤال قبل الاجابة عنه وليس لأعضاء البرلمان الاخرين التدخل في الموضوع .

تهدف الأسئلة كما جاء في اللوائح الداخلية لعدد من الدساتير العربية إلى استفهام عضو البرلمان عما يجهل أو التحقق من واقعة. 

وهى وسيلة تؤكد حق موجه السؤال في الاطلاع على مشاريع السلطة التنفيذية وتسمح له بالتوسع  في مناقشة هذه المشاريع.

وتسمح أنظمة داخلية لبعض البرلمانات العربية لصاحب السؤال بالتعليق على جواب الحكومة مرة واحدة، إلا أن البعض منها يسمح له بالتدخل مرة ثانية شفهيا إذا لم يقتنع بجواب الحكومة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، أو أن يتقدم بسؤال خطى إذا اعتبر أن جواب الحكومة على سؤاله الشفهي لم يكن مرضيا. 

كما تجيز الانظمة الداخلية لبعض البرلمانات العربية للنواب توجيه اسئلة شفهية او خطية الى الوزراء ، فاذا كان السؤال شفويا امكن للوزير ان يجيب عليه فورا وله ايضا ان يطلب تأجيل الاجابة الى الجلسة التالية او يطلب توجيه السؤال مكتوبا .

ويعتبر السؤال من أكثر وسائل الرقابة التي يمارسها الأعضاء، وذلك من ناحيتين، الأولى هي الكثافة العددية والتنوع الكبير في موضوعات الأسئلة وبالتالي الوزراء الذين توجه إليهم، والثانية التنوع الحزبي لمقدمي كل منهما، سواء بين حزب الحكومة أو المعارضة والمستقلين، بل إنه يلاحظ أن أعضاء حزب الحكومة أكثر ميلا للأسئلة مقارنة بغيرها من الوسائل مثل تقصى الحقائق والاستطلاع والمواجهة، فضلا عن غياب الاستجوابات تقريبا، على خلاف الوضع تماما بالنسبة لأعضاء المعارضة والمستقلين، وهو ما يرمز في أحد دلالته لظاهرة الالتزام الحزبي التي تمنع من توجيه اتهام لوزير في حكومة الحزب الحاكم، وقد يمكن التغلب على هذا من خلال التصويت الإلكتروني الذى يساعد في رفع الحرج عن الأعضاء.

ولم يخرج الدستورعن قاعدة تأكيد دور البرلمان في مراقبة اعمال السلطة تجسيداً لمبدأ المشروعية، وذلك من خلال وسائل عدة كان من ايسرها ما جاء في القرة السابعة من المادة نفسها من  اجازة الحق لعضو مجلس النواب بتوجيه الاسئلة في أي موضوع الى رئيس مجلس الوزراء والوزراء شريطة ان يدخل ذلك السؤال في اختصاصه ، وقد حصر الدستور حق التعقيب على الاجابة للسائل وحده .

اما الاستجواب فهو اعم واشمل من السؤال ويحمل بين ثناياه اتهاما بالتقصير ، لذا فان المناقشة حول الاستجواب لا تقتصر على المستجوب وانما يحق لجميع اعضاء المجلس الاشتراك في المناقشة بعد سماع جواب الوزير . 

يمثل الاستجواب أداة للمحاسبة يلجأ إليها البرلمانيون للحصول على تبرير حول سياسة معينة من عضو في الحكومة أو في بعض البلدان من كافة أعضاء الحكومة. 

وقد ينتج عن هذه العملية نقاش موسع حول السياسة المحددة، أو تصويت مع أو ضد المسألة المطروحة. ومن الممكن أيضاً أن يلي الاستجواب اقتراحاً بتوجيه اللوم ، ذلك لأنها تتضمن تقييما للعمل والنشاط وتقرر مدى نهوض المسئول عن أعمال وظيفته، والاستجواب بهذا المعنى المحاسبي يؤكد علو سلطة البرلمان في مواجهة الحكومة .

ويقيد الاستجواب  بشروط وآليات، ففي بعض الدول مثل (الكويت ، ولبنان، والأردن) يحق لأى عضو من أعضاء البرلمان، تقديم استجواب إلى الحكومة . 

وتحدد الدساتير والأنظمة الداخلية للبرلمانات العربية مهلة قصيرة عادة بين تاريخ تقديم طلب الاستجواب أو سحب الثقة، وبين تاريخ انعقاد جلسة مناقشة الاستجواب أو الثقة . 

وتعتبر الحكومة مستقيلة مثل الجمهورية اللبنانية، أو أنها مضطرة إلى الاستقالة مثل المملكة الأردنية الهاشمية إذا انتهت مناقشة الاستجواب إلى الموافقة على اقتراح سحب الثقة من الحكومة، وهذا ينطبق على الوزير الذي تسحب الثقة منه أيضا. 

وقد اشترطت بعض التشريعات ان يكون الاستجواب كتابيا ، وبالمقابل يكون جواب الحكومة مكتوبا.

كما لا يجوز أن تقدم استجوابات تتجاوز حدود الدستور أو القانون ، كأن يتعلق نص الاستجواب بأعمال الرئيس التي يمارسها بنفسه دون تدخل السلطات الأخرى ، كما يجب كذلك عدم مساس الاستجواب بأمر معلق أمام القضاء

ونظرا لتزايد عدد الاستجوابات وتنوعها أباحت بعض اللوائح الداخلية ضم المتشابه منها في استجواب واحد كما الحال في جمهورية مصر العربية. 

وتأكيدا على أهمية الاستجوابات، تقرر في بعض البلدان العربية تخصيص جلسة استجواب بعد كل 4 جلسات عمل عادية كما جاء، على سبيل المثال، في النظام الداخلي لمجلس النواب الأردني، وقد ادخل هذا التقليد مؤخرا في مجلس النواب اللبناني. 

وفى الواقع يمارس الاستجواب فى معظم الدول العربية ، كوسيلة لمناقشة وربما مراقبة  الحكومة في أمور يراها مقدم الاستجواب مشوبة بالخلل، ولكنه لا يحمل في جوهره مطلب توقيع العقاب، بقدر ما يرمى الى التنبيه الى اختلال، إن ثبت وتم الإقرار به، يستوجب التصحيح.

الفرع الثاني : طلب الإحاطة

طلب الإحاطة معناه أن العضو يطلب إحاطة الحكومة علماً بأمر قد تجهله أو يطلب منها إحاطته علما بأمر يجهله. ولذا فهذه الوسيلة بمثابة مبادرة من العضو ذاته لكشف مواطن الخلل والفساد أينما كان. وتضفى طلبات الإحاطة قدراً من الفاعلية على الوظيفة الرقابية لمواجهة قضايا الفساد، فهي تعكس في واقع الأمر تجاوباً فورياً مع نبض الشارع، فقضايا الفساد من القضايا الساخنة التي تتطلب تصدى سريع من قبل الأعضاء، ولذا فهذه الأداة تحتل موقعاً متميزاً بين آليات الرقابة البرلمانية.

وقد يكون طلب الإحاطة مجرد جس نبض الحكومة للتجاوب مع العضو الذى وضع يده على قضية من قضايا الفساد، مثل إهدار المال العام في أحد المشروعات لضعف الرقابة مثلا، وبالتالي يستطيع العضو من خلال هذه الوسيلة إدراك مدى تحمس الحكومة في مناقشة هذا الموضوع وبيان أسبابه ووضع الحلول لهذه التجاوزات.

وعلى الرغم من أن طلبات الإحاطة من الوسائل التي لا ينتج عنها أثراً قوياً، كالاتهام مثلا، إلا أنها تعد بمثابة الترمومتر الذى يقيس به العضو درجة تحمس الحكومة للتجاوب مع الموضوع محل النقاش، بل أن العضو من خلال هذه الوسيلة البسيطة قد يستعملها بذكاء لاكتشاف حقيقة الأمر وذلك من خلال رد الحكومة، وما إذا كان الموضوع يقف عند ما أثاره العضو أم يتعداه

الفرع الثالث : لجان تقصى الحقائق (التحقيق البرلماني)

تعتبر لجان تقصى الحقائق آلية من آليات الرقابة التى عن طريقها يمكن الوقوف على حقيقة ما يثار من موضوعات ومشاكل مالية وإدارية، أو بيان مواطن الفساد فى نشاط إحدى المصالح العامة، أو وحدات الإدارة المحلية، أو أى جهاز تنفيذى أو إدارى أو أى مشروع من المشروعات العامة التى قد تكون عرضه لأعمال فساد أو اختراق القانون. 

وتأخذ هذه اللجان برلمانية صورة اللجان المؤقتة أو لجان للقيام بتحقيقات دقيقة حول مواضيع محددة ذات أهمية عامة ، وتحظى بقدرة الوصول إلى المعلومات أكثر من اللجان الأخرى، اذ تتضمن صلاحياتها استدعاء الشهود للإدلاء بشهاداتهم مع أداء القسم، ومواجهة شاهد مع الآخر، وطلب أو أخذ مستندات، إلى جانب الأمر بالقيام بالأبحاث، وتنظيم زيارات ميدانية وغيرها من الصلاحيات. ولا بد من الإشارة إلى أن بعض الدول قد تعطي هذه اللجان الصلاحيات عينها التي يحظى بها القاضي الذي يقوم بتحقيقات قضائية. 

وتعتبر لجان التحقيق من الأدوات الرقابية الشائعة في البرلمانات حول العالم، وقد تستخدم للتحقيق في قضايا كبرى كالفساد وسوء استخدام السلطة.

وعلى العضو الذى يلجأ الى تفعيل آلية لجان تقصى الحقائق، أن يأخذ فى اعتباره التأكيد والمناداة بحيادية تشكيل اللجنة، حيث أنه من النادر أن تراقب الحكومة ذاتها بحيدة ونزاهة، وأن يطالب دوماً بأن يكون تشكيل اللجنة باعثاً على كشف كافة جوانب الموضوع. 

كذلك على العضو أن يفند مدى دقة تقرير اللجنة، وهل رصدت السلبيات فقط أم وضعت خطة للإصلاح وعلاج الفساد.

وتشكل لجنة تقصى الحقائق كما هو الأمر في اكثر الحالات بناء على اقتراح من عدد من النواب، وبقرار من المجلس أو باقتراح من أحد لجانه. 

وتعمل اللجنة على بلوغ غايتها، أي تجميع الحقائق عبر زيارات ميدانية وتحقيقات تشمل الأفراد والمؤسسات ومراجعة بيانات ووثائق رسمية. 

ويراعى في تشكيل اللجان عادة التخصص وتمثيل الأحزاب المعارضة والنواب المستقلين. وتنتهى لجان تقصى الحقائق إلى وضع تقرير يناقشه المجلس لاتخاذ الموقف المناسب في ضوئه.

أن تمكين اللجان البرلمانية من الاضطلاع بالمهمات المكلفة بها يتطلب إفساح المجال لها لكى تعمل بحرية ولكى تحصل على معلومات كافية، هذا فضلا عن توفير بعض الحاجات الماديةاذ ان للجنة سلطة كاملة في استدعاء الموظفين والبحث في الملفات والمستندات للوصول الى الحقيقة  ، إلا انه بمقدار أهمية اللجان فى معيار العمل البرلمانى، وكوسيلة من وسائل مراقبة الحكومة، فإنها قد تصطدم بصعوبات ناشئة عن رغبة أصحاب القرار فى الدولة فى الحد من نشاط اللجان، وبالتالى من حيوية المجلس ومن دوره الرقابى. 

وبعد انتهاء أعمال اللجن تقوم بعرض تقريرها على البرلمان بكامل هيئته لاتخاذ القرار الذي يراه في ضوء التقرير المعروض والمناقشات .

وقد حققت بعض البرلمانات العربية خطوات مهمة ، عندما قامت بتشكيل لجان تحقيق فى قضايا حساسة ودقيقة. 

ففى الأردن شكل المجلس لجنة خاصة فى صيف 1990 للنظر فى قضايا فساد أتهم بها وزراء سابقون؛  إضافة إلى نشاط لجان تقصى الحقائق وأعمالها، فإن التقارير التي تتقدم بها اللجان العادية تساهم أيضا في تعزيز دور البرلمانات الرقابي في بعض الدول العربية، وفى قضايا حساسة أيضا مثل دور المؤسسات الأمنية وعلاقتها بالمواطنين. 

ففي صيف عام 1993 تبنى مجلس الأمة الكويتي تقرير لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان البرلمانية الذى تضمن انتقادا لأجهزة أمن الدولة بسبب تجاوزاتها في بعض الحالات.

ولا يمكن مجانبة الرأي الذي وجد في لجان مجلس النواب الدائمة الأدوات الرئيسة  له في ممارسته لاختصاصاته التشريعية والرقابية والتوجيهية وأعماله جميعاً التي يمارسها على نشاط مختلف أجهزة الهيئة التنفيذية ومؤسساتها في المجالات المختلفة ، بدلالة الدور الكبير الذي تضطلع به ولاسيما في الجانب الرقابي  المتمثل بـ :

1. متابعة تنفيذ السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المقرّة من قبل المجلس.

2. متابعة تنفيذ ما ورد في الموازنة العامة للدولة وموازنة الوحدات الاقتصادية والموازنات المستقلة والملحقة، وبيانها المالي والبرنامج الاستثماري لكل سنة مالية ومتابعة تقديم الحساب الختامي للموازنة في موعده المحدد.

3. متابعة تنفيذ الحكومة لما ورد في برنامجها العام المقدّم إلى مجلس النواب وتعقيب المجلس عليه وما التزمت به إزاء المجلس.

4. متابعة قيام الحكومة بنشر القوانين والتعليمات في الجريدة الرسمية، وإذاعتها عبر وسائل الإعلام، والتأكد من قيام الحكومة بنشر وتعميق الوعي القانوني بين المواطنين.

5. متابعة الحكومة وأجهزتها المختلفة للتحقق من الالتزام بتنفيذ القوانين والقرارات والتأكد من إصدار التعليمات وعدم تعارضها مع نصوص القوانين الخاصة بها.

6. تقصي الحقائق للوقوف على أيّ وقائع أو تصرفات مخالفة للدستور والقوانين النافذة.

7. متابعة الحكومة لتنفيذ توجيهات المجلس وتوصياته بشأن المجالات المختلفة.

8. دراسة المعلومات والبيانات والوثائق وتحليلها التي تطلبها اللجان من أجهزة السلطة التنفيذية بمناسبة دراستها لأي مشروع قانون أو اتفاقية أو أي موضوع من المواضيع التي تُكلّف بدراستها من قبل المجلس أو هيئة الرئاسة، أو يقع من ضمن اختصاصاتها، وإن الحق المذكور يُستمد من الحق الدستوري للبرلمان ولجانه في ممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.

                            الخاتمة

اولاً : النتائج

1. تنوع مظاهر الفساد الاداري بتنوع النشاط الانساني ويله الدائم لتغليب مصالحه الشخصية على مصلحة المجتمع .

2. ان من بين الاسباب التي تشجع على الفساد الاداري ضعف الجهاز القضائي وغياب استقلاليته ونزاهته وسيادة مبدأ المصالح المتبادلة .

3. استقلال مؤسسات محاربة الفساد عن السلطة التنفيذية يوفر لها المناخ المناسب للعمل دون تأثير من جانب الحكومة .

4. على صعيد العملية التشريعية لم يوجد لحد الان قانون مختص ببيان الافعال التي تعد من قبيل التصرفات التي تندرج تحت مفهوم الفساد الاداري ، والاعتماد على النصوص القانونية المتفرقة في بعض القوانين النافذة ( القديمة ) على الرغم من تطور وسائل الفساد الإداري .

5. ضعف الدور الرقابي للبرلمان على الرغم من تمتعه بصلاحيات رقابية ضد الحكومة إلا إنه غالباً ما يلجأ الى الوسائل الأقل فاعلية وتأثير على الحكومة كتوجيه الأسئلة الشفوية. وقلة اللجوء الى الوسائل الرقابية كالاستجواب والتحقيق البرلماني وطلب سحب الثقة من وزير أو الوزارة ككل.

ثانيا : التوصيات

1. بناء دولة القانون والمؤسسات والإجهاز على التوجهات الشخصية والحزبية في ادارة مؤسسات من خلال تغيير طرق اتخاذ القرار و إتباع الطرق الشوروية والديمقراطية في اتخاذ القرار .

2. تعزيز مبدأ تكافؤ الفرص وتكريس العدالة والمساواة أمام القانون ومحاسبة المفسدين الكبار قبل الصغار وعدم منح حصانة لمثل هؤلاء على حساب المجتمع .

3. التركيز على معيار الشفافية في الأداء مع تبسيط وسائل العمل وترشيق حلقاته ، وتحديد مهل أنجاز المعاملات اعتماد معايير النزاهة والكفاءة والعدالة عند التعيين والترقية والأداء

4. اعتماد آلية الانتخابات الدورية لاختيار القيادات الإدارية وفق ضوابط من أهمها النزاهة والكفاءة والخبرة والإخلاص ، وتحت إشراف لجان تشكل بصورة شفافة ومحايدة لضمان نزاهة نتائج الانتخابات .

5. إتباع آلية دقيقة جدا عند اختيار الموظفين لغرض التعيين وإخضاعهم لسلسلة من الاختبارات الأخلاقية للتحقق من أخلاقياتهم وقدرتهم على مقاومة المغريات المختلفة قبل تثبيتهم في الوظيفة العامة .

6. تشكيل لجان خاصة لوضع نظام متكامل لأداء الموظفين تقوم بإجراء تفتيش دوري بين الدوائر والوزارات وأعداد التقارير الخاصة بذلك .

7. التركيز على تحصين الموظف العام ضد أنماط الفساد من خلال التوعية الأخلاقية والدينية ، وحتى القانونية ، المخصصات المالية والمكافئات . تنظيم دورات عدة و دورية للتنبيه من مخاطر الفساد الإداري والتحذير من مغبة الوقوع به  ،  وبيان موقف الشرع والقانون منه .

8. الاهتمام بوسائل المراقبة السرية والإلكترونية ومحاولة إنجاز مشروع الحكومة الإلكترونية .

9. إعادة النظر بالقوانين والمؤسسات والآليات المختصة بمعالجة أمور الفساد بكل أنماطه في الدولة على نحو يجعلها أكثر فاعلية واستجابة للمتغيرات والتطورات التي يعتمدها المفسدون في تغطية أنشطتهم الإجرامية ومن ذلك :

10. انتهاج أسلوب  اختراق الشبكات والتركيز على العمل ألاستخباري من خلال استزراع مصدر معلومات موثوق ضمن كل قسم في الدوائر الحكومية سواء أكان مجندا من داخل الدائرة نفسها او يتم تعيينه ويتبع بالارتباط مع هيئة الرقابة الإدارية .

11. تخصيص مكافئة مالية لمن يساعد في تشخيص حالات الفساد داخل الدوائر الحكومية سواء من قبل الموظفين او المراجعين العاديين.

12. المصادقة على قانون مكافحة الفساد .

           تصنيف البحث:       إدارة السياسة

                    والله ولي التوفيق،،،     

             الباحث العلمي د/ أحمد سمير

تعليقات

يجب علينا تقديم خطاب إعلامي مقنع للجمهور، وعلى الجميع تحمل مسؤولياته والتعامل بحرص مع الموضوعات