هل آن الأوان لتعديل اتفاق "الدفاع العربي المشترك"

يكشف تطور الأوضاع العربية سياسياً واستراتيجياً أن هناك حاجة ملحة إلى إعادة التركيز على الثوابت العربية التي يتعامل معها النظام الإقليمي العربي الذي يواجه في الوقت الراهن تحديات عاتية، من إعادة طرح وتدوير الأفكار الإقليمية والنظام الشرق أوسطي، وهو ما يتطلب إعادة استشراف الوضع العربي في نطاق التحديات والأخطار الراهنة.


الوضع الراهن

تشير جملة التطورات العربية الإقليمية والدولية الراهنة إلى عدم وجود إدراك على مستوى بعض الدول بضرورة الاتجاه إلى إحياء النظام الإقليمي العربي بكل مؤسساته الحالية، أو على الأقل التوجه نحو إحياء اتفاق "الدفاع العربي" بدلاً من الاعتماد على الطرف الإقليمي أو الدولي، أو تجميد نص الاتفاق الدفاعي الذي يعتبر أحد أهم ركائز العمل العربي في مواجهة أية أخطار أو تحديات تواجه الدول العربية، ولم يتم العمل بها في ظل اندلاع الأزمات العربية، لتشابك المواقف وتعدد الرؤى وعدم وجود اتفاق جمعي على ما يمكن طرحه، وقد حدث ذلك تباعاً خلال الأزمات العربية المتلاحقة.

ويغلب على معظم الترتيبات والتفاهمات الأمنية في الوطن العربي طابع رد الفعل، أي أنها أنشئت في وقت معين للرد على حدث أو قضية ما، ومن ثم فقد يحدث أن جمدت من بعدها، سواء بانقضاء هذا الحدث أو لفشل الترتيبات في حلها، وهذا نراه واضحاً على سبيل المثال في قوات درع الجزيرة التي أنشئت لمواجهة الخطر الإيراني والعراقي آنذاك خلال فترة حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، إلا أنها فشلت في تحقيق أهدافها، فلا هي حمت الكويت من الغزو العراقي، ولا أصبحت تمثل قوة ردع لإيران في المنطقة، وهذا الأمر أيضاً حاضر مع مجلس الدفاع المشترك المؤسس بموجب معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي العربي الذي أنشئ لمواجهة التحديات الإسرائيلية، وأصبح الآن مجمداً بلا وظيفة حقيقية له.

يذكر أنه قد جرى تفعيل الاتفاق خلال حرب أكتوبر عام 1973 عن طريق مشاركة قوات عربية لمصر وسوريا بطرق عدة، مثل المشاركة بالمعدات الفنية والقوات والأموال، إضافة إلى قرار وقف إمداد الدول المتعاونة مع إسرائيل بالبترول.

إلا أنه لاحقاً تجاهلت الدول العربية تفعيل الاتفاق أثناء الاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية عام 1982، على رغم أن لبنان إحدى الدول الموقعة على الاتفاق، كما فشلت الجامعة العربية بعد ذلك عام 1990 في وقف العدوان العراقي على الكويت.

الترتيبات الأمنية

يمكن القول إن المنطقة العربية تتجه نحو مزيد من التعزيز والتوسع في إنشاء الترتيبات الأمنية في المنطقة مع انقضاء وتراجع الترتيبات الأمنية التقليدية، ويأتي هذا التعزيز والتوسع في مثل هذه الترتيبات بسبب تنامي التهديدات غير التقليدية التي تهدد أمن المنطقة العربية، وتغليب كل طرف عربي مصالحه الوطنية على المصالح الشاملة للوطن العربي، مع استمرار ظاهرة الاستعانة بالقوى الكبرى الأجنبية للرد على التهديدات الإقليمية من دون العمل على تطوير استراتيجية أمنية عربية موحدة لمثل هذه التهديدات، إضافة إلى أن هذه التحالفات والتفاهمات تؤدي إلى نوع من السباق المحموم نحو إنشاء تحالفات وتحالفات مضادة، مما يدخل المنطقة في حال من عدم الاستقرار.

وتنقسم الترتيبات الأمنية في المنطقة العربية خلال الوقت الراهن وارتباطاً بالمقارنة مع وضع "اتفاق الدفاع العربي المشترك" إلى ترتيبات أمنية قائمة وترتيبات أمنية حديثة، ومنها قوات "درع الجزيرة" و"مجلس الدفاع المشترك" و"تحالف دعم الشرعية في اليمن"، والترتيبات الأمنية بين دول الخليج العربي والقوى الكبرى، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، التي أخذت شكل اتفاقات تعاون عسكري أو اتفاقات أمنية، والترتيبات الأمنية العراقية - الأميركية والترتيبات الأمنية الروسية - السورية.

المتوقع استراتيجياً

من المتوقع أن يجري تجميد ترتيبات أمنية قائمة بالفعل نظراً إلى فشلها في تحقيق الهدف الرئيس منها وانعدام الرغبة السياسية في دعمها، ومنها "قوات درع الجزيرة" إذ أصبحت بالفعل شبه مجمدة، وذلك لفشلها في التصدي للتهديدات الإيرانية وإخفاقها السابق في حماية الكويت من الغزو العراقي، إضافة إلى الاعتماد على قوات أجنبية للحفاظ على أمن الخليج، وكذلك عدم المشاركة في حرب في اليمن وانعدام الرغبة السياسية لدى قادة دول الخليج في تعزيز التكامل، وكلها عوامل تشير إلى محدودية المنفعة المتوقعة من هذه القوات في المستقبل.

أما "مجلس الدفاع المشترك"، وهو مجمد ولا يمتلك قوة حقيقية على أرض الواقع، فيتوقع أن يستمر التجميد لهذا المجلس نظراً إلى غياب التهديد الرئيس وهو التهديد الإسرائيلي، واستبداله بتهديدات على نطاقات إقليمية، إضافة إلى غياب الرغبة السياسية لدى معظم الدول العربية في تشكيل تحالف عسكري موحد.

ويقر اتفاق الدفاع العربي المشترك كثيراً من النقاط المهمة التي تعمل في اتجاه توحيد أنماط التعاملات العسكرية والاستراتيجية، ومع ذلك فإن المطروح خلال الوقت الراهن هو مراجعة مجمل السياسات الدفاعية الراهنة في ظل المخطط الخارجي بالتحرك في اتجاه إقليمي فوق تقليدي، يعمل في اتجاه الإبقاء على الوضع الراهن أو تجميده بالأساس، والانتقال إلى مرحلة أخرى تعمل على صيغ أمنية وسياسية بديلة.

وإضافة إلى ما سبق فهناك بعض الترتيبات الأمنية التي يتوقع منها الاستمرار والتطور، نظراً إلى وجود خطر ما يهدد أمن الدول الأطراف فيها، وهي ترتيبات أمنية عقدتها دول الخليج منفصلة مع واحدة أو أكثر من الدول الغربية الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وبدأت هذه الترتيبات منذ نجاح عملية "عاصفة الصحراء" وفشل "إعلان دمشق"، إذ اتجهت الدول الخليجية إلى عقد تفاهمات أمنية مع الدول الكبرى.

وتهدف هذه الترتيبات التي اتخذت شكل اتفاقات أمنية وعسكرية إلى حماية أمن دول الخليج من التهديدات الأمنية التي تحيط بها وأبرزها الخطر الإيراني، ويتوقع من هذه الترتيبات الأمنية أن تستمر في المستقبل وتعزز باتفاقات أخرى إن أمكن، لكن يثار التساؤل عما إذا كان من مصلحة الولايات المتحدة الاستمرار في هكذا ترتيبات، وذلك نظراً إلى تحول الاهتمام الأميركي إلى منطقة الشرق الأوسط.



تعليقات

يجب علينا تقديم خطاب إعلامي مقنع للجمهور، وعلى الجميع تحمل مسؤولياته والتعامل بحرص مع الموضوعات